قوله :« مَا لَمْ » فى « مَا » ثلاثة أقوالٍ :
أظهرها : أن تكون مصدريةً ظرفيةً، تقديره : مدَّة عدم المسيس، كقوله تعالى :﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض ﴾ [ هود : ١٠٧ ] وقوله :﴿ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ﴾ [ المائدة : ١١٧ ].
وقول الآخر :[ الكامل ]

١١٤٣- إِنِّي بِحَبْلِكَ وَاصِلٌ حَبْلِي وَبِرِيشِ نَبْلِكَ رَائِشٌ نَبْلِي
مَا لَمْ أَجِدْكَ عَلَى هُدَى أَثَرٍ يَقْرُو مَقَصَّكَ قَائِفٌ قَبْلِي
والثاني : أن تكون شرطيةً، بمعنى « إِنْ » نقله أبو البقاء. وليس بظاهرٍ؛ لأنه يكون حينئذٍ من باب اعتراض الشرط على الشرط، فيكون الثانى قيداً فى الأول؛ نحو :« إِنْ تَأْتِ إِنْ تُحْسِنْ إِلَيَّ أُكْرِمْكَ » أي : إن أتيت محسناً، وكذا فى الآية الكريمة : إن طلَّقتموهنَّ غير ماسِّين لهنَّ، بل الظاهر : أنَّ هذا القائل إنما أراد تفسير المعنى؛ لأنَّ « مَا » الظرفية مشبَّهة بالشرطيَّة، ولذلك تقتضي التعميم.
والثالث : أن تكون موصولة بمعنى « الَّذِي »، وتكون للنساء؛ كأنه قيل : إن طلَّقتم النِّساء اللاَّئى لم تمسُّوهنَّ، وهو ضعيفٌ، لأنَّ « مَا » الموصولة لا يوصف بها، وإن كان يوصف ب « الَّذِي »، و « الَّتي »، وفروعهما.
وقرأ الجمهور :« تَمَسُّوهُنَّ » ثلاثيّاً وهى واضحةٌ؛ لأن الغشيان من فعل الرجل؛ قال تعالى حكاية عن مريم ﴿ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ﴾ [ مريم : ٢٠ ]. وقرأ حمزة والكسائيُّ فى الأحزاب « تُمَاسُّوهُنَّ » من المفاعلة، فيحتمل أن يكون « فَاعَلَ » بمعنى « فَعَلَ » ك « سَافَرَ »، فتوافق الأولى، ويحتمل أن تكون على بابها من المشاركة؛ كما قال تعالى :﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ﴾ [ المجادلة : ٣ ]، وأيضاً : فإنَّ الفعل من الرجل والتمكين من المرأة، ولذلك قيل لها زانيةٌ، ورجَّح الفارسيّ قراءة الجمهور؛ بأنَّ أفعال هذا الباب كلَّها ثلاثيّةٌ؛ نحو : نَكَحَ، فَرَعَ، سَفَدَ، وضَرَبَ الفَحْلُ.
قال تعالى :﴿ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ ﴾ [ الرحمن : ٧٤ ]، وقال :﴿ فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ﴾ [ النساء : ٢٥ ]، وأمّا قوله فى الظّهار :﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ﴾ [ المجادلة : ٣ ] فالمراد به المماسَّة التى هي غير الجماع، وهي حرام فى الظهار.
قوله :﴿ أَوْ تَفْرِضُواْ ﴾ فيه أربعة أوجهٍ :
أحدها : أنه مجزوم عطفاً على « تَمَسُّوهُنَّ »، و « أَوْ » على بابها من كونها لأحد الشيئين، قاله ابن عطيَّة.
والثاني : أنه منصوب بإضمار « أَنْ » عطفاً على مصدر متوهِّم، و « أَوْ » بمعنى « إِلاَّ »، التقدير : ما لم تَمَسُّوهُنَّ إلا أن تفرضوا؛ كقولهم :« لأَلْزَمَنَّكَ أَوْ تَقْضِيَني حَقِّي » قاله الزمخشريُّ.
والثالث : أنه معطوف على جملةٍ محذوفةٍ، تقديره :« فَرَضْتُمْ أَوْ لَم تَفْرِضُوا »، فيكون هذا من باب حذف الجزم وإبقاء عمله، وهو ضعيفٌ جدًّا، وكأنَّ الذي حسَّن هذا كون لفظ « لَمْ » موجوداً قبل ذلك.
والرابع : أن تكون « أَوْ » بمعنى الواو.


الصفحة التالية
Icon