فصل


هذه الآيةُ وإِنْ دلّت على وجوب الصلوات الخمس لكنَّها لا تدلُّ على أوقاتها.
قالوا : والآياتُ الدالةُ على تفصيل الأَوقاتِ أَربعٌ :
أحدها : قوله تعالى :﴿ فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ [ الروم : ١٧ ].
فقوله :« سُبْحَانَ اللهِ » أي : فسبِّحوا اللهَ، معناه : صلُّوا للهِ حين تمسون، أراد به صلاة المغربِ، والعِشَاءِ، « وَحِينَ تُصْبِحُونَ » أراد صلاة الصُّبح، و « عَشيّاً » أراد به [ صلاة ] العصر، و « حِينَ تُظْهِرُونَ »، صلاة الظهر.
الثانية : قوله تعالى :﴿ أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس إلى غَسَقِ الليل ﴾ [ الإسراء : ٧٨ ] أراد ب « الدلوك » زوالها، فدخل في الآية : صلاةُ الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ثم قال :﴿ وَقُرْآنَ الفجر ﴾ [ الإسراء : ٧٨ ] أراد صلاة الصُّبح.
الثالثة :﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ الليل فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النهار ﴾ [ طه : ١٣٠ ] قالوا : لأَنَّ الزمان إِمَّا أَنْ يكون قبل طُلُوعِ الشَّمسِ، أو قبل غروبها، فالليل والنهارُ داخلان في هاتين اللفظتين.
الرابعة : قوله تعالى :﴿ وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَيِ النهار وَزُلَفاً مِّنَ الليل ﴾ [ هود : ١١٤ ] فالمراد ب « طَرَفَي النَّهَارِ » الصُّبحُ والعَصْر، وبقوله « وزُلْفاً من الليل » المغرب، والعشاء.

فصل في الصلاة الوسطى


اختلفوا في الوسطى على سبعة مذاهب :
الأول : أنَّ الله - تعالى - لمّا لم يبينها بل خصَّها بمزيد التوكيد، جاز في كُلِّ صلاةٍ أَنْ تكون هي الوسطَى، فيصير ذلك داعياً إلى أداء الكل بصفةِ الكمالِ، والتمام؛ كما أنّه أخفى ليلة القَدْرِ في رمضان، وأخفى ساعةَ الإجابةَ في يوم الجُمُعةِ، وأَخْفَى اسمه الأَعظم في جميع الأَسماءِ، وأخفى وقتَ الموتِ في الأوقات؛ ليكون المكلَّف خائِفاً من الموتِ في كل الأوقات، وهذا قولُ جماعةٍ من العُلَماءِ.
قال محمَّد بن سيرين : سأل رجلٌ زيد بن ثابتٍ، عن الصلاة الوسطى، فقال : حافِظ على الصلوات كُلِّها تصبها.
وعن الربيع بن خيثم أنّه سأله واحدٌ عنها، فقال : قال ابن عمر : الوُسطى واحدة منهن، فحافِظ على الكُلِّ تكُنْ محافظاً على الوسطى، ثم قال الربيع : فإنْ حافظتَ عليهن، فقد حافظت على الوسْطى.
الثاني : أَنَّ الوسطى هي مجموعُ الصلوات الخَمْس؛ لأَن هذه الصلوات الخمس : هي الوسطى من الطاعات، وتقريره : أنَّ الإِيمان بضعٌ وسبعون درجة : أعلاها شهادةث أَنْ لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى، فهي واسطة بين الطرفين.
وقيل : الوسطى صلاةُ الجمعة؛ لأن وقتها وسطُ النهارِ، ولها شروط ليست لبقيَّة الفرائض : من أشتراط الخُطبة، والأَربعين، ولا تصلي في المِصْر أكثر مِنْ جمعةٍ واحدةٍ، إِلاَّ أَنْ تدعُو الحاجة إلى أكثر منها؛ وتفوتُ بفواتِ وقتها ولا تقضى؛ لأن العطف يقتضي المغايرة.


الصفحة التالية
Icon