السابع : روي في الحديث أن أوَل إِمامة جبريل - عليه السلام - كانت في صلاةِ الظهر، فَدَلَّ على أنّها أشرف، فكان صرفُ التَّأكيد إليها أولى.
الثامن : أَنَّ صلاةَ الجمعة هي أشرفُ الصَّلواتِ، وهي صلاةُ الظهرِ فصرف المبالغة إليها أولى روى الإمامُ أحمدُ، وصحَّحَه : أنَّ النبي - ﷺ - سُئِل عن الصلاة الوسطى [ فقال ] العصرُ. ورَوى أحمدُ، والترمذيُّ، وصحَّحه : أن النبي - ﷺ - سُئِل عن صلاةِ الوسطى فقال :« حَافِظُوا عَلَى الصَّلوَاتِ والصَّلاةِ والوُسْطَى وَصَلاةَ العَصْرِ » ثم نُسِخَت هذه الكلمةُ، وبقي قولُه :« وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ ».
فإن قيل قد روي أنَّ عائشة أمرت أن يكتب لها مصحف، وقالت للكاتب : إذا بلغت قوله تعالى :﴿ والصلاة الوسطى ﴾ فآذِنِّي، فلما وصل الكاتب إلى قوله تعالى :﴿ والصلاة الوسطى ﴾ آذنها فأمرته أن يكتب :« وَصَلاَةَ العَصْرِ » وقالت : هكذا سمعته من رسول الله ﷺ.
فالجواب أن هذا لم يروه غير واحدٍ تفرَّد به. وقد روى جماعةٌ عن النبي ﷺ أنها صلاة العصر، كما سيأتي، وكثرة الأدلة، والرُّواة يرجّح بها.
القول الخامس : أنها صلاة العصر، وهو مرويٌّ عن عليّ، وابن مسعودٍ، وابن عبَّاسٍ، وأبي هريرة، وأبي أيُّوب، وعائشة، وبه قال إبراهيم النخعي، وقتادة، والحسن، والضحاك، ويروى عن أبي حنيفة.
واحتجوا بوجوه :
الأول : روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال يوم الخندق :« شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الوُسْطَى صَلاَة العَصْرِ ملأ اللهُ أَجْوَافَهُم وَقُبُورهُم نَاراً » وروى زرُّ بن حبيش، قال : قلنا لعبيدة : سل علياً عن الصلاة الوسطى، فسأله فقال : كنَّا نرى أنها صلاة الفجر، حتى سمعت رسول الله ﷺ يقول يوم الخندق :« شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الوُسْطَى صَلاَة العَصْرِ ملأ اللهُ أَجْوَافَهُم وَقُبُورهُم نَاراً » وعن عبدالله بن مسعودٍ، قال : حَبَسَ المشركون رسول الله ﷺ عن صَلاة العصر، حتَّى احمرَّت الشمس، أو اصفرَّت؛ فقال رسول الله ﷺ :« شَغَلُونَا عَنِ الصَّلاَةِ الوُسْطَى صَلاَة العَصْرِ ملأ اللهُ أَجْوَافَهُم وَقُبُورهُم نَاراً، أو حَشَا اللهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً ».
الثاني : أنَّ العصر أولى بالتأكيد من غيرها؛ لقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - :« مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَى صَلاَةِ العَصْرِ فَقَدْ وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ »، وقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - :« مَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَى صَلاَةِ العَصْرِ أو مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبَطَ عَمَلُهُ » وقوله - عليه الصَّلاة والسَّلام - :« مَنْ حَافَظَ عَلَى صَلاَةِ العَصْرِ آتَاهُ اللهُ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ » ولأن المحافظة على سائر الصلوات، أخفُّ وأسهل من المحافظة على وقت العصر أخفى الأوقات.


الصفحة التالية
Icon