قوله تعالى :﴿ مَّتَاعاً ﴾ في نصبه سبعة أوجهٍ :
أحدها : أنَّه منصوبٌ بلفظ « وَصِيَّة » لأنها مصدرٌ منونٌ، ولا يضرُّ تأنيثها بالتاء؛ لبنائها عليها؛ فهي كقوله :[ الطويل ]
١١٥٠- فَلَوْلاَ رَجَاءُ النَّضْرِ مِنْكَ وَرَهْبَةٌ | عِقَابَكَ قَدْ كَانُوا لَنَا كَالْمَوَارِدِ |
والثاني : أنه منصوبٌ بفعلٍ، إمَّا من لفظه، أي : متِّعوهنَّ متاعاً، أي : تمتيعاً، أو من غير لفظه، أي : جعل الله لهنَّ متاعاً.
الثالث : أنه صفةٌ لوصية.
الرابع : أنه بدل منها.
الخامس : أنه منصوبٌ بما نصبها، أي : يوصون متاعاً، فهو مصدر أيضاً على غير الصدر؛ ك « قَعَدْتُ جُلُوساًَ »، هذا فيمن نصب « وَصِيَّةٌ ».
السادس : أنه حالٌ من الموصين : أي ممتَّعين أو ذوي متاعٍ.
السابع : أنه حالٌ من أزواجهم، [ أي ] : ممتَّعاتٍ أو ذوات متاعٍ، وهي حالٌ مقدَّرة إن كانت الوصية من الأزواج.
وقرأ أُبيٌّ :« مَتَاعٌ لأَزْوَاجِهِمْ » بدل « وَصِيَّةٌ »، وروي عنه « فَمَتَاعٌ »، ودخول الفاء في خبر الموصول؛ لشبهه بالشرط، وينتصب « مَتَاعاً » في هاتين الروايتين على المصدر بهذا المصدر، فإنه بمعنى التمتيع؛ نحو :« يُعْجِبُنِي ضَرْبٌ لَكَ ضَرْباً شَدِيداً »، ونظيره :﴿ قَالَ اذهب فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً ﴾ [ الإسراء : ٦٣ ]، و « إِلَى الحَوْلِ » متعلِّقٌ ب « مَتَاع » أو بمحذوفٍ؛ على أنه صفة له.
قوله تعالى :﴿ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ﴾ في نصبه ستة أوجهٍ :
أحدها : أنه نعتٌ ل « مَتَاعاً ».
الثاني : أنه بدلٌ منه.
الثالث : أنه حالٌ من الزوجات، أي : غير مخرجات.
الرابع : أنه حالٌ من الموصين، أي : غير مخرجين.
الخامس : أنه منصوب على المصدر، تقديره : لا إخراجاً، قاله الأخش.
السادس : أنه على حذف حرف الجرِّ، تقديره : من غير إخراجٍ، قاله أبو البقاء، قال شهاب الدين : وفيه نظر.
فصل في المراد بقوله « غير إخراج »
معنى قوله :﴿ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ﴾ أي : ليس لأولياء الميِّت ووارثي المنزل؛ إخراجها، « فَإِنْ خَرَجْنَ » أي : باختيارهن قبل الحول « فلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُم »، أي : لا حرج على وليِّ أحدٍ وُلِّيَ، أو حاكم، أو غيره؛ لأنه لا يجب عليها المقام في بيت زوجها حولاً.
وقيل : لا جناح في قطع النّفقة عنهن، أو لا جناح عليهنَّ في التشرُّف إلى الأزواج، إذ قد انقطعت عنهنَّ مراقبتكم أيُّها الورثة، ثم عليها أنها لا تتزوج قبل انقضاء العدَّة بالحول أو لا جناح في تزويجهنَّ بعد انقضاء العدّة، لأنه قال :« بالمَعْرُوفِ »، وهو ما يوافق الشرع.
و ﴿ والله عَزِيزٌ ﴾ صفةٌ تقتضي الوعيد بالنسبة لمن خالف الحدَّ في هذه النازلة، في إخراج المرأة، وهي لا تريد الخروج ﴿ حَكِيمٌ ﴾، أي مُحْكِمٌ لما يريد من أمور عباده والله أعلم.