فإن قيل : إن الله تعالى ذكر الوفاة، ثم أمرنا بالوصيَّة، فكيف يوصي المتوفى؟!
فالجواب أنَّ معناه : والذين يقارون الوفاة ينبغي أن يفعلوا هذا، فجعل المقاربة للوفاة عبارة عنها.
وقيل : إنّ هذه الوصيّة يجوز أن تكون مضافةً إلى الله تعالى، بمعنى :« أمره، وتكليفه »، كأنَّه قيل : وصيّة من الله لأزواجهم، كقوله :﴿ يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ ﴾ [ النساء : ١١ ].

فصل


المعتدَّة من فرقة الوفاة، لا نفقة لها، ولا كسوة حاملاً كانت، أو حائلاً.
وروي عن عليٍّ، وابن عمر - رضي الله عنهما - أنَّ لها النَّفقة إذا كانت حاملاً، وعن جابر، وابن عبَّاس - رضي الله عنهما - أنهما قالا : لا نفقة لها، حسبها الميراث، وهل تستحقُّ السُّكنى؟ قال عليٌّ، وابن عباس، وعائشة - رضي الله عنهم - : لا تستحقُّ السُّكنى، وهذا مذهب أبي حنيفة والمزنيّ.
وقال عمر، وابن عمر، وعثمان، وابن مسعود، وأمُّ سلمة : إنها تستحقُّ السُّكنى، وبه قال مالك، والثَّوريُّ، وأحمد.
واحتجَّ كلٌّ من الطائفتين بخبر فريعة بنت مالك، أخت أبي سعيدٍ الخدريِّ، قتل زوجها؛ فسألت رسول الله ﷺ فقالت : إنّي أرجع إلى أهلي، فإنَّ زوجي ما تركني في منزل يملكه؛ فقال - عليه الصَّلاة والسَّلام - :« نَعَمْ »، فانصرفت حتى إذا كنت في المسجد، أو في الحجرة دعاني فقال :« امْكُثِي في بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الكِتَابُ أَجَلَهُ »، فاختلفوا في تنزيل هذا الحديث.
فقيل : لم يوجب في الابتداء، ثمَّ أوجب؛ فصار الأوَّل منسوخاً.
وقيل : أمرها بالمكث في بيتها أجراً على سبيل الاستحباب، لا على سبيل الوجوب.
واحتجَّ المزنيُّ على أنَّه لا سكنى لها فقال : أجمعنا على أنَّه لا نفقة لها؛ لأنَّ الملك انقطع بالموت، فكذلك السُّكنى بدليل : أنهم أجمعوا على أنَّ من وجب له نفقةً، وسكنى عن ولد ووالد على رجلٍ؛ فمات؛ انقطعت نفقتهم، وسكناهم؛ لأنّ ماله صار ملكاً للوارث، فكذا ها هنا.
وأجيب بأنَّه لا يمكن قياس السُّكنى على النفقة؛ لأنَّ المطلقة ثلاثاً تستحقُّ السُّكنى بكلِّ حالٍ، ولا تستحقُّ النَّفقة لنفسها عند المزنيّ. ولأن النَّفقة وجبت في مقابلة التَّمكين من الاستمتاع، ولا يمكن ها هنا، وأمَّا السُّكنى وجبت لتحصين النساء، وهو موجودٌ ها هنا فافترقا.


الصفحة التالية
Icon