قال أَميَّة بن الصَّلت :[ البسيط ]
١١٥٦- كُلُّ امْرِىءٍ سَوْفَ يُجْزَى قَرْضَهُ حَسَناً | أَوْ سَيِّئاً وَمَدِيناً مِثْلٌ ما دَانَا |
قال الزَّجَّاج : هو حقيقةٌ، واستدلَّ بما ذكرناه، وقيل : مجازٌ، لأَنَّ القَرْضَ : هو أَنْ يعطي الإنسان ليرجع إليه مثله وهنا إِنَّما ينفق ليرجع إِلَيه بدله، و « القِرض » بالكَسْرِ - لغةٌ فيه حكاها الكِسَائِيُّ، نقله القرطبي.
قوله :« أَضْعَافاً » فيه ثلاثة أوجهٍ :
أظهرها : أَنَّهُ حالٌ من الهاءِ في « فيضاعِفُ »، وهل هذه حالٌ مؤكِّدَةٌ أو مبيِّنة، الظَّاهِرُ أنها مُبَيِّنَةٌ؛ لأنَّها وإنْ كانَتْ من لفظِ العامِلِ، إلاَّ أنَّها اختصَّتْ بوصفِها بشيءٍ آخَر، ففُهِم منها ما لم يُفْهَمُ من عامِلها، وهذا شأنُ المبيِّنة.
والثاني : أنه مفعولٌ به على تضمين « يضاعفُ » معنى يُصَيِّر، [ أي : يُصَيِّره ] بالمضاعَفَةِ أضْعافاً.
الثالث : أنه منصوبٌ على المصدر.
قال أبو حيان :[ قيل ] ويجوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ على المصدرِ باعتبار أَنْ يُطْلَقَ الضِّعْفُ - وهو المضَاعفُ، أو المضعِّفُ - بمعنى المضاعفة، أو التضعيف، كما أُطلِقَ العطاء، وهو اسمُ المُعْطَى بمعنى الإِعطاء. وجُمِعَ لاختلافِ جهاتِ التضعيفِ باعتبارِ اختلاف الأشخاص، واختلاف المُقْرِضِ واختلافِ أنواعِ الجَزَاءِ. وسبقه إلى هذا أبُو البقاءِ، وهذه عبارتُهُ، وأنشد :[ الوافر ]
١١٥٧- أَكُفْراً بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي | وَبَعْدَ عَطَائِكَ المِائَةَ الرِّتَاعَا |
فصل
لما أمر اللهُ تعالى بالجهادِ، والقتال على الحَقّ؛ إذ ليس شيءٌ من الشَّريعة، إِلاَّ ويجوز القِتَالُ عليه وعنه، وأعظمها دينُ الإِسلام، حرَّض تعالى على الإِنفاقِ في ذلك؛ فَدَخل في ذلك : المُقَاتِلُ في سبيلِ اللهِ، فإِنَّهُ يَقْرضُ رجاء الثَّوابِ، كما فعلَ عثمانُ - رضي اللهُ عنه - في جيشِ العُسْرَةِ.
فصل
اختلف المُفَسِّرُون في هذه الآية على قولين :
أحدهما : أنَّ هذه الآية متعلِّقةٌ بما قبلها، والمرادُ منها القرض في الجهادِ خاصَّةً، فندب العاجز عن الجهاد أَنْ ينفق على الفقير القادر عليه، وأمر القادر على الجهاد : أن ينفق على نفسه في طريق الجهاد، ثمَّ أكد ذلك بقوله تعالى :﴿ والله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ﴾.
القول الثاني : أَنَّ هذا الكلام مبتدأٌ لا تعلُّق له بما قبله، ثم اختلفوا هؤلاء، فمنهم من قال : المراد من القرض إنفاق المال، ومنهم من قال : إِنَّه غيره والقائلون بأَنَّه إنفاق المال، اختلفوا على ثلاثة أقوال :
الأول : أَنَّه الصَّدقةُ غير الواجبة، وهو قول الأَصم، واحتجَّ بوجهين :
أحدهما : أَنَّهُ تعالى سمَّاه قرضاً والقَرْضُ لا يكون إِلاَّ تبرعاً.