الملأُ من القَوْمِ وجوههم، وأشرافهم، وهو اسم للجماعة من النَّاس لا واحد لهُ من لفظه كالرَّهْطِ والقومِ، والجيشِ، والمَلأُ : الأَشرافُ سُمُّوا بذلك؛ لأنهم يملئون العيونَ هيبةً، أو المجالسَ إذا حضروا؛ أو لأنهم مليئون بما يُحْتاج إليهم فيه، وقال الفرَّاءُ :« المَلأُ » الرجالُ في كلِّ القرآن، وكذلك القومُ والرَّهطُ والنَّفَرُ، ويُجْمع على أَمْلاء؛ قال :[ الطويل ]
١١٥٨- وَقَالَ لَهَا الأَمْلاَءُ مِنْ كُلِّ مَعْشَرٍ | وَخَيْرُ أَقَاوِيلِ الرِّجَالِ سَدِيدُهَا |
قوله تعالى :﴿ مِن بنيا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أَنَّهُ صلةٌ للملأ على مذهب الكُوفيين؛ لأنهم يجعلون المُعَرَّفَ بأل موصولاً؛ ويُنْشِدُون :[ الطويل ]
١١٥٩- لَعَمْرِي لأَنْتَ الَيْتُ أُكْرِمُ أَهْلَهُ | وأَقْعُدُ في أَفْيَائِهِ بالأصائِلِ |
قوله :﴿ إِذْ قَالُواْ ﴾ العاملُ في هذا الظرفِ أجازوا فيه وجهين :
أحدهما : أنه العاملُ في « مِنْ بعد » لأنَّه بدلٌ منه، إذ هما زمانان، قاله أبو البقاء : والثاني : أنه « ألم تر » قال شهاب الدين وكلاهما غيرُ صحيحٍ.
أمَّا الأول فلوجهين :
أحدهما من جهة اللفظِ والآخرُ من جهة المعنى. فأمّا الذي من جهة اللفظِ فإنه على تقدير إعادة « مِنْ » و « إذ » لا تُجَرُّ ب « مِنْ ». الثاني : أنه ولو كانَتْ « إذ » من الظروف التي تُجَرُّ ب « مِنْ » كوقت وحين لم يصِحَّ [ ذلك أيضا لأنَّ العاملَ في « مِنْ بعد » محذوفٌ فإنه حالٌ تقديره : كائنين من بعد، ولو قلت : كائن من حين قالوا لنبيٍّ لهم ابعثْ لنا ملكاً لم يصِحَّ ] هذا المعنى.
وأمَّا الثاني فلأنه تقدَّم أن معنى « ألم تر » تقريرٌ للنفي، والمعنى : ألم ينته علمُك، أو قد نَظَرْتَ إلى الملأ وليس انتهاءُ علمِه إليهم ولا نظرُه إليهم كان في وقتِ قولهم ذلك، وإذا لم تكنْ ظرفاً للانتهاءِ ولا للنظر فكيف تكونُ معمولاً لهما أو لأحدِهما؟
وإذ قد بَطَلَ هذان الوجهان فلا بُدَّ له من عاملٍ يصِحُّ به المعنى وهو محذوفٌ، تقديره : ألم تَر إلى قصة الملأ أو حديث الملأ ما في معناه؛ وذلك لأنَّ الذواتِ لا يُتَعَجَّبُ منها، إنما يُتَعَجَّبُ من أحداثها، فصار المعنى : ألم تَرَ إلى ما جرى للملأ من بني إسرائيل إلى آخرها، فالعاملُ هو ذلك المجرورُ، ولا يصحُّ المعنى إلا به لِما تقدَّم.