قال الزَّمخشريُّ : وَيَجُوزُ أن يريد : ممَّا تَرَكَ موسى وهارون، والآلُ مقحمٌ لتفخيم شأنهما، أي زائدٌ للتعظيم، واستشكل أبو حيان كيفيَّة إفادة التَّفخيم بزيادة الآل. و « هَارُون » أعجميٌّ. قيل : لم يرد في شيءٍ من لغة العرب، قاله الراغب، أي : لم ترد مادته في لغتهم.
فصل في المقصود بالبقية
اختلفوا في البقية، فقيل :﴿ مِّمَّا تَرَكَ آلُ موسى وَآلُ هَارُونَ ﴾ من الدِّين، والشَّريعة، والمعنى : أنَّ بسبب هذا التَّابُوت ينتظمُ ما بَقِيَ من دينهما، وشريعتهما.
وقيل : كان فيه لوحان من التَّوراة، ورضاض الألواح الَّتي تكسَّرت، وعصا موسى ونعلاهُ، وثيابه، وعمامة هارون وعصاه، وقفيزٌ من المنّ الذي كان ينزلُ على بني إسرائيل، واختلفوا في الآلِ على قولين :
أحدهما : المراد موسى، وهارون نفسهما كقوله - ﷺ - لأبي موسى الأَشعريّ :« لَقَدْ أُوتِيَ هذا مِزْماراً مِنْ مَزَامِير آل داوُدَ » وأراد به داود نفسه؛ لأنه لم يكُن لأحد من آلِ داوُدَ من الصَّوتِ الحسن مثل ما كان لداود.
الثاني : قال القفَّال : إنَّما أضيف ذلك إلى آل موسى وآل هارون؛ لأَنَّ ذلك التَّابوت تداولته القُرُونُ بعدهما إلى وقتِ طالُوت، وما في التَّابُوت توارثه العلماء عن أتباع موسى وهارون، فيكون الآل : هم الأتباع قال تعالى :﴿ أدخلوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العذاب ﴾ [ غافر : ٤٦ ].
قوله :﴿ تَحْمِلُهُ الملاائكة ﴾ هذه الجملةُ تحتمِلُ أن يكونَ لها محلٌّ من الإِعرابِ على أنها حالٌ من التَّابُوت أي : محمولاً للملائكةِ وألاَّ يكونَ لها محلٌّ لأنها مستأنفةٌ، إِذْ هي جوابُ سؤالٍ مقدَّرٍ كأنه قيل : كيف يأتي؟ فقيل : تحمِلُهُ الملائكةُ.
وقرأ مجاهد « يَحْمِلُه » بالياءِ من أسفلِ؛ لأنَّ الفِعْل مُسْنَدٌ لجمعِ تكسيرٍ، فيجوزُ في فعله الوجهان. و « ذلك » مشارٌ به قيل : إلى التَّابوت. وقيل : إلى إتيانه، وهو الأَحسنُ ليناسِبَ آخرُ الآيةِ أولها [ و « إِنْ » ] الأظْهَرُ فيها [ أنها ] على بابها من كونِها شرطيةً وجوابُها محذوفٌ. وقيل : هي بمعنى « إذ » فإنّ هذه الآية معجزة باهِرَة للمؤمنين.
قال ابن عبَّاسٍ : إِنَّا التَّابُوت، وعصا موسى في بحيرة طبرية وإنهما يخرجان قبل يوم القيامة.
مِنَ النَّاسِ من قال : إن طالُوتَ كان نبيّاً؛ لأن اللهَ تعالى أظهر المعجزة على يديه، ومن كان كذلك كان نبيّاً.
فإن قيل : هذه من باب الكرامات، قلنا : الفَرْقٌ بين الكرامةِ والمُعجزة : أنَّ الكرامة لا تكون على سبب التَّحَدِّي؛ فتكون معجزةً، وقد يُجابُ بأن ذلك معجزةٌ لنبيّ ذلك الزّمان وأنه آية قاطِعَةٌ في ثبوت ملك طَالُوتَ.