قوله :﴿ بِإِذْنِ الله ﴾ فيه وجهان.
أَظهرهُمَا : أنَّه حالٌ فيتعلَّقُ بمحذوفٍ، والتَّقدير : ملتبسين بتيسير الله لهم.
والثاني : أَنَّ الباءَ للتَّعْدية، ومجرورها مفعولٌ به في المعنى، ولهذا قال أبو البقاء :« وإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَها مَفْعُولاً به ».
وقوله :﴿ والله مَعَ الصابرين ﴾ مبتدأٌ وخبرٌ، وتحتمِل وجهين :
أحدهما : أن يكون محلُّها النَّصْبَ على أنها من مقولهم.
والثاني : أنَّها لا محلَّ لها من الإِعراب، على أَنّها استئنافٌ أَخْبَرَ اللهُ تعالى بها.

فصل في المقصود بالظن في الآية


اختلفوا في الظن المذكور في قوله تعالى :﴿ قَالَ الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ الله ﴾. وذكروا فيه وجوهاً :
أحدها : قال قتادة : المراد من لقاء الله الموت. قال ﷺ :« مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لقاءَه وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ » وهؤلاء المؤمنون، لما وطَّنُوا أنفسهم على القتل، وغلب على ظنهم أَنَّهُم يموتون وصفهم بأنهم يظنون أنهم ملاقوا ثواب الله.
وثانيها : قال أبو مسلم : معناه يظنون أَنَّهُم ملاقو ثواب الله بسبب هذه الطاعة، وذلك لأَنَّ أحداً لا يعلمُ بما فيه عاقبة أمره وَإِنَّما يكون ظاناً راجياً وإِن بلغ في طاعة الله ما بلغ.
وثالثها : أَنَّهم ذكروا في تفسير السَّكينة قول بعض المفسِّرين : إِنَّ التَّابوت كان فيه كُتُبٌ إِلَهيَّةٌ، نزلت على الأَنبياء المُتَقَدِّمين دالَّةٌ على حُصًولِ النَّصر، والظّفر لِطَالُوتَ، وجنوده ولكنه لم يكن في تلك الكُتُبِ أَنَّ النَّصْر والظّفر يحصلُ في المرةِ الأولى، أو بعدها، فهم وإِنْ كانوا قاطعين بالنصر ولكنهم ظَنُّوا : هل هُوَ في تلك المَرَّةِ، أو بعدَها؟!
رابعها : قال كثير من المفسرين : يظنون : أي يعلمون، فأطلق الظن وأراد به العلم كقوله تعالى :﴿ الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [ البقرة : ٤٦ ] ووجه المجاز ما بين الظن واليقين من المشابهة في تأكيد الاعتقاد.
والمراد من قولهم :﴿ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً بِإِذْنِ الله ﴾ تَقْويةُ قلوب الَّذِينَ قالوا :﴿ لاَ طَاقَةَ لَنَا اليوم بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ ﴾، والمعنى : لا عِبرة بكثرةِ العددِ، وإِنَّما العبرةُ بالتَّأْييد الإِلهي، ثم قال :﴿ والله مَعَ الصابرين ﴾. وهذا من تَمامِ قولهم، ويحتمل أَنْ يكُونَ قولاً من اللهِ تعالى، والأَوَّلُ أَظهرُ.


الصفحة التالية
Icon