فصل في بطلان مذهب الجبر


قال القاضي : هذه الآية من أقوى الدَّلائل على بطلان الجبر؛ لأنه إذا كان الفساد من خلقه لم يكن لقوله :﴿ وَلَوْلاَ دَفْعُ الله الناس بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرض ﴾ تأثير في زوال الفساد؛ لأن على قولهم إنَّما لا يقع الفساد بسبب ألا يفعله الله تعالى ولا يخلقه لا لأمر يرجع إلى النَّاس، والجواب : أنَّ الله تعالى لمّا كان عالماً بوقوع الفساد، فإذا صح مع ذلك العلم ألاَّ يقع الفساد كان المعنى أنه لا يصح من العبد أن يجمع بين عدم الفساد وبين العلم بوجود الفساد، فيلزم أن يكون العبد قادراً على الجمع بين النَّفي والإثبات، وهو محال ويؤيد ذلك قوله تعالى مستدركاً ﴿ ولكن الله ذُو فَضْلٍ عَلَى العالمين ﴾ بين أن دفع الفساد بهذا الطريق إنعام يعم الناس كلهم فلو كان دفع الفساد بهذا الطريق فعل العبد لكان الفضل للعبد؛ لأنه الدَّافع على قولهم، ولم يكن لله تعالى على العالمين فضل سبب ذلك الدَّفع. فإن قالوا : نحمل هذا على البيان، والإرشاد.
قلنا : كلُّ ذلك قائم في حقّ الكفَّار، والفجَّار، ولم يحصل منهم دفاع.
قوله :﴿ ولكن الله ﴾ وجه الاستدراك أنه لمَّا قسَّم النَّاس إلى مدفوع ومدفوع به، وأنَّه بهذا الدَّفع امتنع فساد الأرض، فقد يهجس في نفس من غُلب عمّا يريد من الفساد أنَّ الله غير متفضِّلٍ عليه، حيث لم يبلغه مقاصده وطلبه، فاستدرك عليه [ أنّه ] وإن لم يبلغ مقاصده أنَّ الله متفضّلٌ عليه، ومحسن إليه؛ لأنه مندرجٌ تحت العالمين، وما من أحدٍ إلاّ ولله عليه فضلٌ، وله فضل الاختراع [ والإيجاد ].
و « عَلَى » يتعلَّق ب « فَضْل » ؛ لأنَّ فعله يتعدَّى بها، وربَّما حذفت مع تخفيف الفعل؛ وقد جمع [ بين ] الحذف والإثبات في قوله :[ الوافر ]
١١٧١- وَجَدْنَا نَهْشَلاً فَضَلَتْ فُقِيْماً كَفَضْل ابْنِ المَخَاضِ عَلَى الفَصِيلِ
أمَّا إِذا ضُعِّف، فإنه لا تحذف « على » أصلاً كقوله :﴿ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ على بَعْضٍ ﴾ [ البقرة : ٢٥٣ ]، ويجوز أن تتعلَّق « عَلَى » بمحذوفٍ لوقوعها صفةً لفضل.


الصفحة التالية
Icon