« لاَ تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى » وقال :« لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَكُونَ خَيْراً مِنْ يَحْيى بين زَكَرِيَّا »، وذكر أنه لم يعمل سيئة قط.
فالجواب : أن كون آدم - عليه الصّلاة والسّلام - مسجوداً للملائكة؛ لا يوجب أَنْ يكون أفضل من محمد - ﷺ - بدليل قوله ﷺ :« آدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لوَائِي يَوْمَ القِيَامَةِ » وقال :« كُنْتُ نَبِيّاً وَآدَمُ بَيْنَ المَاءِ والطِّينِ »، وروي أَنَّ جبريل - عليه الصَّلاة والسَّلام - أخذ بركاب محمد - ﷺ - ليلة المعراج، وهذا أعظم من السُّجُود. وقال تعالى :﴿ إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي ﴾ [ الأحزاب : ٥٦ ] - ﷺ - فصلّى بنفسه على محمَّد، وأمر الملائكة، والمؤمنين بالصَّلاة عليه، وذلك أفضل من سُجُود الملائكة، وأيضاً، فإِنَّ سُجُودَ الملائكة لآدم كان تأديباً، وأمرهم بالصَّلاة على محمد - ﷺ - تقريباً، وأيضاً فالصَّلاة على محمد - ﷺ - [ دائمة إلى يوم القيامة وسجود الملائكة لآدم عليه السَّلام ] لم يكن إلا مرَّةً واحدة، وأيضاً فإِنَّ الملائكة، إِنَّما أمروا بالسُّجود لآدم لأجل أَنَّ نور محمد - ﷺ - في جبهة آدم.
قال القرطبي : وقال ابن قتيبة : إِنَّما أراد بقوله :« أَنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ » يوم القيامة؛ لأَنَّه الشافع يومئذ وله لواء الحمد والحوض، وأراد بقوله :« لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى يُونسَ بن مَتَّى » على طريق التواضع، لأنَّ قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ الحوت ﴾ [ القلم : ٤٨ ] يدل على أن النبي - ﷺ - أفضل منه.
فإن قيل : إنه تعالى خصّ آدم بالعلم فقال :﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأسمآء كُلَّهَا ﴾ [ البقرة : ٣١ ] وقال في حقّ محمد - ﷺ - :﴿ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] وأيضاً فمعلم آدم هو الله تعالى ومحمد معلمه جبريل كما قال :﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى ﴾ [ النجم : ٥ ].
فالجواب : أن الله تعالى قال في علم محمَّد - ﷺ - :﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾ [ النساء : ١١٣ ]، وقال :﴿ الرحمن عَلَّمَ القرآن ﴾ [ الرحمن : ١-٢ ] وقال :﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ [ طه : ١١٤ ]، وأما قوله :﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى ﴾، فذلك بحسب التلقين والمعلم هو الله كقوله :﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت الذي وُكِّلَ بِكُمْ ﴾ [ السجدة : ١١ ] وقال :﴿ الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مِوْتِهَا ﴾ [ الزمر : ٤٢ ].
فإن قيل : قال نوحٌ - عليه الصَّلاة والسَّلام - ﴿ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الذين آمنوا ﴾