و « هم » يجوز أن تكون فصلاً أو مبتدأ ثانياً، و ﴿ الظالمون ﴾ خبره والجملة خبر الأوَّل.
فصل
قالت المعتزلة : لما أمر بالإنفاق من كلِّ ما كان رزقاً، وبالإجماع لا يجوز الإنفاق من الحرام وجب القطع بأنَّ الرّزق لا يكون إلاّ حلالاً.
وأجاب ابن الخطيب : بأنَّ الأصحاب مخصَّصة بالأمر بالإنفاق ما كان رزقاً حلالاً أو حراماً. واختلفوا في هذه النَّفقة، فقال الحسن : هذا الأمر مختص بالزكاة قال : لأنَّ قوله ﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ ﴾ كالوعد والوعيد، ولا يتوجه الوعيد إلاَّ على الواجب، وهو قول السُّدي.
وقال الأكثرون : هذا الأمر يتناول الواجب، والمندوب وليس في الآية وعيد، فكأنه قال : حصلوا منافع الآخرة حين تكونون في الدُّنيا، فإنكم في الآخرة لا يمكنكم تحصيلها.
وقال الأصمُّ : المراد منه الإنفاق في الجهاد.
وفي المراد من البيع هنا وجهان :
أحدهما : أنَّه بمعنى الفدية كما قال :﴿ فاليوم لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ ﴾ [ الحديد : ١٥ ] وقال :﴿ وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ ﴾ [ البقرة : ١٢٣ ]، وقال :﴿ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ ﴾ [ الأنعام : ٧٠ ] فكأنه قيل من قبل أن يأتي يوم لا تجارة فيه، فتكسب ما تفتدي به من العذاب.
الثاني : أن يكون المعنى : قدِّموا لأنفسكم من المال الذي هو ملككم قبل أن يأتي اليوم الذي لا يكون فيه تجارة ولا مبايعة يكتسب بسببها شيء من المال.
﴿ وَلاَ خُلَّةٌ ﴾ ولا صداقة، ونظيره قوله تعالى :﴿ الأخلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المتقين ﴾ [ الزخرف : ٦٧ ] وقال ﴿ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأسباب ﴾ [ البقرة : ١٦٦ ].
وقوله :﴿ وَلاَ شَفَاعَةٌ ﴾ يقتضي نفي كلّ الشَّفَاعَاتِ، فقوله :﴿ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ ﴾ عام في الكل إلاَّ أنَّ سائر الدَّلائل دلَّت على ثبوت المودة والمحبة بين المؤمنين، وعلى ثبوت الشفاعة بين المؤمنين والسبب في عدم الخلة والشفاعة أمور :
أحدها : أنَّ كل واحد يكون مشغولاً بنفسه. قال تبارك وتعالى :﴿ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [ عبس : ٣٧ ].
الثاني : أنَّ الخوف الشَّديد يغلب على كلِّ أحدٍ ] ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ ﴾ [ الحج : ٢ ].
الثالث : أنَّه إذا نزل العذاب بسبب الكفر، أو الفسق صار مبغضاً لهذين الأمرين وإذا صار مبغضاً لهما؛ صار مبغضاً لمن اتَّصف بهما.
وقوله :﴿ والكافرون هُمُ الظالمون ﴾، ولم يقل « والظَّالِمُونَ هم الكافرون ».
وذكروا في تأويل هذه الآية وجوهاً :
أحدها : أنَّ نفي الخلَّة، والشَّفاعة مختص بالكافرين، لأنّه أطلقه ثم عقبه بقوله ﴿ والكافرون هُمُ الظالمون ﴾ وعلى هذا تصير الآية دالَّةً على إثبات الشَّفاعة في حقّ الفسَّاق.
قال القاضي : هذا التأويل غير صحيحٍ؛ لأن قوله :﴿ والكافرون هُمُ الظالمون ﴾ كلام مبتدأ، فلم يجب تعليقه بما تقدَّم.
والجواب : أنَّا لو جعلناه كلاماً مبتدأً تطرق الخُلْفُ إلى كلام الله تعالى؛ لأنَّ غير الكافرين قد يكون ظالماً، وإذا علَّقناه بما تقدَّم زال الإشكال.
الثاني : أنَّ معناه أنَّ الله لم يظلم الكافر بإدخاله النَّار، وإنَّما الكافر هو الذي ظلم نفسه، حيث اختار الكفر والفسق، ونظيره قوله تعالى :