قال السُّدِّيُّ المراد ب « الحَيّ » الباقي؛ قال لبيدٌ :[ الطويل ]
١١٧٥- فَإِمَّا تَرَيْنِي اليَوْمَ أَصْبَحْتُ سَالِماً... فَلَسْتُ بِأَحْيَا مِنْ كِلاَبٍ وَجَعْفَرِ
وقال قتادة : والحيُّ الذي لا يموتُ والحيُّ اسمٌ من أسمائه الحسنى، ويقال إنه اسم الله الأعظم.
وقيل إنَّ عيسى ابن مريم - عليه الصَّلاة والسَّلام - كان إذا أراد أن يحيي الموتى يدعو بهذا الدعاء « يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ».
ويقال : إنَّ آصف بن برخيا، لمَّا أراد أن يأتي بعرش بلقيس إلى سليمان - عليه الصَّلاة والسَّلام - دعا بقوله :« يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ».
ويقال إن بني إسرائيل سألوا موسى عن اسم الله الأعظم فقال لهم « أيا هيا شراهيا » يعني « يا حي يا قيوم »، ويقال هو دعاء أهل البحر إذا خافوا الغرق يا حي يا قيوم وعن علي - رضي الله عنه - لما كان يوم بدر جئت أنظر ما يصنع النبي ﷺ فإذا هو ساجدٌ يقول « يَا حَيُّ يَا قيُّومُ »، فترددت مرات، وهو على حاله لا يزيدعلى ذلك إلى أن فتح الله له.
وهذا يدلُّ على عظمة هذا الاسم.
والقيُّوم : فيعولٌ من : قام بالأمر يقوم به، إذا دبَّره؛ قال أميَّة :[ الرجز ]
١١٧٦- لَمْ تُخْلَقِ السَّمَاءُ والنُّجُومُ... وَالشَّمْسُ مَعْهَا قَمَرٌ يَعُومُ
قَدَّرَهُ مُهَيْمِنٌ قَيُّومُ... وَالحَشْرُ وَالجَنَّةُ والنَّعِيمُ
إلاَّ لأَمْرٍ شَأْنُهُ عَظِيمُ... وأصله « قَيْوُومٌ »، فاجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها الياء فصار قيُّوماً.
وقرأ ابن مسعود والأعمش ويروى عن عمر :« الحَيُّ القَيَّام »، وقرأ علقمة :« القَيِّم » وهذا كما يقولون : ديُّور، وديار، وديِّر. ولا يجوز أن يكون وزنه فعُّولاً ك « سَفُّود » إذ لو كان كذلك؛ لكان لفظه قوُّوماً؛ لأنَّ العين المضاعفة أبداً من جنس الأصليَّة كسُبُّوح، وقُدُّوس، وضرَّاب، وقتَّال، فالزَّائد من جنس العين، فلمَّا جاء بالياء دون الواو؛ علمنا أنَّ أصله فيعول، لا فعُّول، وعدَّ بعضهم فيعولاً من صيغ المبالغة كضروبٍ، وضرَّاب.
قال بعضهم : هذه اللَّفظة عبريَّة؛ لأنَّهم يقولون « حياً قياماً »، وليس الأمر كذلك؛ لأنا قد بيَّنا أن له وجهاً صحيحاً في اللُّغة.
فصل
اعلم أنَّ تفسير الجلالة قد تقدَّم في أوَّل الكتاب، والإله؛ قال بعضهم : هو المعبود، وهو خطأ من وجهين :
الأول : أنه تبارك وتعالى كان إلهاً في الأزل، وما كان معبوداً.
الثاني : أنَّه تعالى أثبت معبوداً سواه في قوله :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله ﴾ [ الأنبياء : ٩٨ ].
قال ابن الخطيب - رحمه الله : وإنما « الإله » هو القادر على ما إذا فعله كان مستحقاً للعبادة، وأما « الحيُّ » قال المتكلِّمون : هو كلُّ ذاتٍ يصحُّ أن يعلم، ويقدر، واختلفوا في أنَّ هذا المفهوم صفةٌ وجوديَّةٌ أم لا، فقال بعضهم : إنَّه عبارةٌ عن كون الشَّيء بحيث لا يمتنع أنَّه يعلمُ ويقدرُ، وعدم الامتناع صفةٌ موجودة، أم لا؟
قال المحقِّقون : لما كانت الحياة عبارةٌ عن عدم الامتناع، وقد ثبت أنَّ الامتناع أمر عدمي، إذ لو كان وصفاً موجوداً؛ لكان الموصوف به موجوداً، فيكون ممتنع الوجود موجوداً، وهو محالٌ، وإذا ثبت أنَّ الامتناع عدمٌ وثبت أن الحياة عدم هذا الامتناع، وثبت أنَّ عدم العدم : وجودٌ، لزم أن يكون المفهوم من الحياة صفة موجودة، وهو المطلوب.