قال مكي « وقد يجُوز أن يكون أصلُ لامه واواً، فيكون أصله طغووتاً؛ لأنه يقال : طَغَى يَطْغى ويَطْغو، وطَغَيْتُ وطَغَوْتُ، ومثله في القلب والاعتلال، والوزن : حانوت؛ لأَنَّه من حَنا يحنو وأصله حَنَووت، ثم قُلِب وأُعِلَّ، ولا يجوزُ أن يكونَ من : حانَ يَحِين لقولهم في الجمعِ حَوانيت » انتهى قال شهاب الدين : كأنَّه لمَّا رأى أنَّ الواوَ قد تُبْدَل تاءً كما في تُجاه، وتُخَمَة، وتُراث، وتُكَأة، ادَّعى قَلْبَ الواوِ التي هي لامٌ تاءً، وهذا ليس بشيءٍ.
وقدَّم ذِكْرَ الكفر بالطَّاغوت على ذِكْرِ الإِيمان باللهِ - تعالى - اهتماماً بوجوبِ الكفرِ بالطَّاغوتِ، وناسبَهَ اتصالُهُ بلفظ « الغَيّ ».
فصل في المراد بالطاغوت
واختلف في الطَّاغوت فقال عمر، ومجاهدٌ، وقتادة : هو الشَّيطان.
وقال سعيد بن جبير : هو الكاهن. وقال أبو العالية : هو الساحر. وقال بعضهم : الأَصنام.
وقيل مردة الجنّ والإنس، وكلُّ ما يطغى الإِنسان.
وقيل : الطَّاغُوتُ هو كلّ ما عُبِدَ مِنْ دون الله، وكان راضياً بكونه معبُوداً، فعلى هذا يكُونُ الشَّيطان والكهنة، والسَّحرة، وفرعون والنمروذ كلُّ واحد منهم طاغوتاً؛ لأنهم راضون بكونهم معبودين وتكونُ الملائكة، وعزير، وعيسى ليسوا بطواغيت، لأنهم لم يرضوا بأن يكونوا معبودين.
قوله :﴿ وَيْؤْمِن بالله ﴾ عطف على الشَّرط وقوله ﴿ فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى ﴾ جواب الشَّرط، وفيه دليل على أنَّهُ لا بدّ للكافر من أن يتوب عن الكفر، ثم يؤمنُ بعد ذلك.
وفيه دليل على أَنَّ درء المفاسد مقدَّمٌ على جلب المصالح؛ لأنَّهُ قدّم الكُفر بالطَّاغوت [ على الإيمان باللهِ اهتماماً به فإن قيل الإيمان باللهِ مستلزم لِلْكُفر بالطَّاغُوت.
قلنا : لا نسلم، قد يكفر بالطَّاغوت ] ولا يؤمن بالله واستمسك أي : استمسك واعتصم ﴿ بالعروة الوثقى ﴾ أي العقد الوثيق المحكم في الدِّين.
و « العُرْوَة » : موضعُ شَدِّ الأَيدي، وأصلُ المادّةِ يَدُلُّ على التَّعلُّق، ومنه : عَرَوْتُه : أَلْمَمْتُ به متعلِّقاً، وَاعتراه الهَمُّ : تعلَّق به، و « الوُثْقى » : فُعْلى للتفضيل تأنيث الأوثق، كفُضْلى تأنيث الأفضل، وجمعُها على وُثَق نحو : كُبْرى وكُبَر، فأمَّا « وُثُق » بضمّتين فجمع وَثيق. وهذا استعارة المحسُوس للمعقول؛ لأَنَّ من أراد إمساك هذا الدِّين تعلّق بالدلائل وأوضحها الدّالة عليه، ولما كانت دلائِلُ الإِسلام أقوى الدَّلائل وأوضحها وصفها الله تبارك وتعالى بأَنَّها العروة الوثقى.
قال مجاهِدٌ :« العُرْوَةُ الوثقى » الإيمان.
وقال السُّدِّي : الإِسلام.
وقال ابن عباسٍ، وسعيد بن جبير والضحاك : لا إِله إلاَّ الله.
قوله :﴿ لاَ انفصام لَهَا ﴾ كقوله :﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ [ البقرة : ٢ ] والجملةُ فيها ثلاثةُ أوجهٍ :
أحدها : أن تكونَ استئنافاً، فلا مَحَلَّ لها حينئذٍ.