[ الأنعام : ٩٣ ] فجاء النفي ب « لم » مع الواو ودونها.
فإن قيل : قد تقدَّم شيئان، وهما « طَعَامِكَ وشَرَابِكَ » ولم يعد الضَّمير إلاَّ مفرفاً، قلنا فيه ثلاثة أوجهٍ :
أحدهما : أنها لمَّا كانا متلازمين، بمعنى أنَّ أحدهما لا يكتفى به بدون الآخر، صارا بمنزلة شيء واحد؛ حتى كأنه [ قال :] فانظر إلى غذائك.
الثاني : أنَّ الضمير يعود إلى الشَّراب فقط؛ لأنه أقرب مذكور، وثمَّ جملة أخرى حذفت لدلالة هذه عليها. والتقدير : وانظر إلى طعامك لم يتسنَّه، وإلى شرابك لم يتسنَّه، وقرأ ابن مسعود - رضي الله عنه - « فانْظُرْ إِلى طَعَامِكَ وهذا شَرابُك لم يتسنه »، أو يكون سكت عن تغيُّر الطعام؛ تنبيهاً بالأدنى على الأعلى، وذلك أنه إذا لم يتغيَّر الشراب مع نزعة النَّفس إليه، فعدم تغيُّر الطعام أولى، قال معناه أبو البقاء.
الثالث : أنه أفرد في موضع التثنية، قاله - أيضاً - أبو البقاء؛ وأنشد :[ الكامل ]

١٢٠٢- فَكَأَنَّ في الْعَيْنَيْنِ حَبَّ قَرَنْفُلٍ أَوْ سُنْبَلٍ كُحِلَتْ بِهِ فَانْهَلَّتِ
وليس بشيءٍ.
وقرأ حمزة، والكسائي :« لَمْ يَتَسَنَّهْ » بالهاءِ وقفاً، وبحذفها وصلاً، والباقون : بإثباتها في الحالين. فأمَّا قراءتهما، فالهاءُ فيها للسكتِ. وأمَّا قراءةُ الجماعةِ : فالهاءُ تحتملُ وجهين :
أحدهما : أن تكون - أيضاً - للسكت، وإنما أُثبتت وصلاً إِجراءً للوصل مجرى الوقف، وهو في القرآن كثيرٌ، [ سيمرُّ بك منه مواضع ] فعلى هذا يكون أصل الكلمة : إِمَّا مشتقاً من لفظ « السَّنَةِ » على قولنا إِنَّ لامَها المحذوفة واوٌ، ولذلك تُرَدُّ في التصغير والجمع؛ قالوا :« سُنَيَّة وَسَنَوات » ؛ وعلى هذه اللغة قالوا :« سَانَيْتُ » أُبْدِلَتِ الواو ياءً؛ لوقوعها رابعةً، وقالوا : أَسْنَتَ القومُ إذا أصابتهُمُ السَّنَةُ؛ قال الشاعر :[ الكامل ]
١٢٠٣ -.......................... وَرِجَالُ مَكَّةَ مُسْنِتُونَ عِجَافُ
ويقولون في جمعها : سنوات فقلبوا الواو تاءً، والأصلُ : أَسْنُووا، فأَبْدلوها كما أَبْدلُوها في تُجاه وتُخمة؛ كما تقدَّم، فأصله : يَتَسَنَّى فحُذِفت الألف جزماً.
وإما من لفظ « مَسْنُون » وهو المتغيرُ، ومنه ﴿ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ ﴾ [ الحجر : ٢٨ ]، والأصلُ : يتَسَنَّنُ، بثلاثٍ نونات، فاسْتُثْقل توالي الأَمثال، فأَبدلنا الأخيرة ياءً؛ كما قالوا في تظنَّن : تظنَّى، وفي قصَّصت أظفاري : قصَّيتُ، ثم أبدلنا الياء ألفاً؛ لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها، ثم حُذِفت جزماً، قاله أبو عمرو، وخطَّأَه الزجاج، قال :« لأنَّ المسنونَ : المصبوبُ على سنن الطريق ».
وحُكِيَ عن النقَّاش أنه قال :« هو مأخوذٌ من أَسِن الماءُ » أي : تغيَّر، وهذا وإِنْ كان صحيحاً معنًى، فقد رَدَّ عليه النحاةُ قوله؛ لأنه فاسِدٌ اشتقاقاً، إذ لو كان مشتقاً من « أَسِنَ الماءُ » لكان ينبغي حين منه تفعَّل، أَنْ يقال تأسَّنَ. ويمكن أَنْ يُجاب عنه : أنه يمكنُ أن يكون قد قُلبت الكلمةُ بأن أُخِّرت فاؤها - وهي الهمزة - إلى موضع لامها، فبقي : يَتَسَنَّأ، بالهمزة آخراً، ثمَّ أُبدلت الهمزةُ ألفاً، كقولهم في قرأ :« قَرَا »، وفي استهزأ :« اسْتَهْزا » ثم حُذفت جزماً.


الصفحة التالية
Icon