والثالث - أيضاً - لا يصحُّ؛ لعدم الضَّمير، وإن سُلِّم، فالمشتمل على « مِئَةِ حَبَّةٍ » هو سنبلة من سبع سنابل، إلا أن يقال إنَّ المشتمل على المشتمل على الشيء، هو مشتملٌ على ذلك الشيء، فالسنبلة مشتملةٌ على مائة والسنبلة مشتمل عليها سبع سنابل، فلزم أنَّ السبع مشتملةٌ على « مائة حبة ».
وأسهل من هذا كلِّه أن يكون ثمَّ مضافٌ محذوفٌ، أي : حبَّ سَبْع سَنَابِلَ، فعلى هذا يكون « مِئَةُ حَبَّةٍ » بدل بعضٍ من كل.

فصل في المقصود بسبيل الله


معنى ﴿ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله ﴾ يعني : دينه، قيل : أراد النفقة في الجهاد خاصَّةً، وقيل : جمع أبواب الخير من الواجب والنَّفل.
قال القرطبيُّ : شبَّه المتصدِّق بالزَّارع، وشبَّه البذر بالصدقة، فيعطيه بكل صدقةٍ له سبعمائة حسنة، ثمَّ قال ﴿ والله يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ ﴾ يعني على سبعمائة، فيكون مثل المتصدق مثل الزَّارع، إن كان حاذقاً في عمله فيكون البذر جيّداً، وتكون الأرض عامرةً يكون الزرع أكثر، فكذلك المتصدق إذا كان صالحاً، والمال طيِّباً، ويضعه موضعه، فيصير الثواب أكثر.
فإن قيل : لم نر سُنبُلَةً فيها مائة حبَّةٍ، فكيف ضرب المثل بها؟
فالجواب : قال القفَّال : المقصود أنه لو علم طالب الزيادة والرِّبح أنَّه إذا بذر حبَّةً واحدةً، أخرجت له سبعمائة حبةٍ ما كان ينبغي له ترك ذلك، فكذلك ينبغي لطالب الآخرة والأجر عند الله ألاَّ يتركه إذا علم أنه يحصل له على الواحدة عشرة ومائة وسبعمائة، وإذا كان المراد منه هذا المعنى فسواء وجدت هذه السنبلة، أو لم توجد، فإنَّ المعنى حاصل مستقيم. وقيل : وجد ذلك في الدُّخن.
﴿ والله يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ ﴾.
قيل : معناه يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء.
وقيل يضاعف على هذا، ويزيد لمن يشاء، ما بين سبع إلى سبعين، إلى سبعمائة، إلى ما شاء الله من الأضعاف، مما لا يعلمه إلا الله تعالى. ﴿ والله وَاسِعٌ ﴾ أي : القدرة على سبيل المجازاة على الجود، والإفضال عليهم بنية من ينفق ماله.

فصل في الاستدلال بالآية على فضل الزراعة


قال القرطبيُّ : دلَّت هذه الآية على أنَّ حرفة الزَّرع من أعلى الحرف، التي يتخذها الناس، والمكاسب التي يشتغل بها العمَّال، ولذلك ضرب الله به المثل وقال - ﷺ - :« مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً، أو يَزْرَعُ زَرْعاً فَتأَكْلُ مِنْهُ الطَّيْرُ، أو إِنْسَانٌ، أوْ بَهِيمَةٌ، إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَة » رواه مسلم.
وروى الترمذي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت - : قال رسول الله - ﷺ - :« الْتَمِسُوا الرِّزْقَ في خَبَايَا الأَرْضِ »، يعني : الزَّرع، والزِّراعة من فروض الكفايات، يجب على الإمام أن يجبر النَّاس عليها، وما كان في معناها من غرس الأشجار.


الصفحة التالية
Icon