وأجيبوا بأنه ليس المراد بقوله « لاَ تُبْطِلُوا » النَّهي عن إزالة هذا الثَّواب بعد ثبوته، بل المراد به ألاَّ يأتي بهذا العمل باطلاً؛ لأنَّه إذا قصد به غير وجه الله تعالى، فقد أتى به من الابتداء موصوفاً بالبطلان.
قال ابن الخطيب : ويدلّ على بطلان قول المعتزلة وجوه :
أولها : أنَّ الباقي والطّارئ إن لم يكن بينهما منافاة، لم يلزم من طَرَيَانِ الطَّارئ زوال الباقي، وإن حصلت بينهما منافاة لم يكن زوال الباقي أولى من اندفاع الطَّارئ، بل ربَّما كان اندفاع الطَّارئ، أولى؛ لأن الدفع أسهل من الرفع.
وثانيها : أن الطارئ لو أبطل لكان إما أن يبطل ما دخل منه في الوجود في الماضي، وهو محال؛ لأنَّ الماضي قد انقضى، ولم يبق في الحال، وإعدام المعدوم محالٌ، وإما أن يبطل ما هو موجود في الحال وهو أيضاً محال؛ لأنَّ الموجود في الحال، لو أعدمه في الحال لزم الجمع بين العدم والوجود وهو محالٌ، وإما أن يبطل ما سيوجد في المستقبل وهو محالٌ، لأنَّ الذي سيوجد في المستقبل معدوم في الحال، وإعدام ما لم يوجد بعد محال.
وثالثها : أنَّ شرط طريان الطَّارئ، زوال الباقي، فلو جعلنا زوال النافي معلّلاً بطريان الطَّارئ، لزم الدَّور، وهو محالٌ.
ورابعها : أنَّ الطَّارئ إذا طرأ وأعدم الثَّواب السَّابق، فالثَّواب السَّابق إمَّا أن يعدم من هذا الطَّارئ شيئاً، أو لا يعدم منه شيئاً، والأول هو الموازنة، وهو قول أبي هاشم، وهو باطلٌ، وذلك لأنَّ الموجب لعدم كل واحد منهما وجود الآخر، فلو حصل العدمان معاً اللَّذان هما معلومان، لزم حصول الموجودين اللَّذين هما علَّتان، فيلزم أن يكون كلّ واحد منهما موجوداً حال كون كلّ واحد منهما معدوماً وهو محالٌ.
والثاني، وهو قول أبي علي الجبَّائي : هو أيضاً باطل؛ لأنَّ العقاب الطَّارئ لما أزال الثَّواب السَّابق، وذلك الثَّواب السَّابق ليس له أثر ألبتة في إزالة الشَّيء من هذا العقاب الطَّارئ؛ فحينئذ لا يحصل له من العلم الذي أوجب الثَّواب السَّابق فائدة أصلاً، لا في جلب ثواب ولا في دفع عقاب، وذلك على مضادة النَّصّ الصّريح في قوله تبارك وتعالى ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ﴾ [ الزلزلة : ٧ ]، لأنه خلاف العدل حيث يحمل العبد مشقّة الطَّاعة، ولم يظهر له منها أثر، لا في جلب منفعةٍ، ولا في دفع مضرةٍ.
خامسها : أنكم تقولون الصَّغيرة تحبط بعض أجزاء الثَّواب دون البعض وذلك محالٌ؛ لأن أجزاء الاستحقاقات متساوية في الماهيَّة، فالصَّغيرة الطَّارئة إذا انصرف تأثيرها إلى بعض تلك الاستحقاقات دون البعض مع استواء الكلّ في الماهيَّة كان ذلك ترجيحاً للممكن من غير مرجّح، وهو محالٌ فلم يبق إلاَّ أن يقال بأنَّ الصَّغيرة الطَّارئة تزيل كلَّ تلك الاستحقاقات، وهو باطلٌ بالاتّفاق، أو لا تزيل شيئاً منها، وهو المطلوب.


الصفحة التالية
Icon