وإن عطفناه على « سَبِيلِ اللهِ » كان المعنى : وصدّ عن المسجد الحرام، وذلك لأَنَّهم صَدُّوا الطَّائفين، والعاكِفِين، والرُّكَّعِ السُّجُود عن المَسْجِدِ الحَرَامِ.
قوله :﴿ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ ﴾ عطفٌ على « كُفرٌ »، أو « صَدٌّ » على حسب الخلافِ المتقدِّم، وهو مصدرٌ حُذِف فاعله، وأُضيفَ إلى مفعوله، تقديرُه :« وَإِخْرَاجُكم أَهْلَهُ ».
والضَّميرُ في « أَهله » و « مِنْهُ » عائدٌ على المَسْجِد وقيل : الضَّمير في « مِنْهُ » عائِدٌ على سبيل الله، والأَوَّل أظهرُ و « منه » متعلِّقٌ بالمصدر.
قوله :« أَكْبَرُ » فيه وجهان :
أحدهما : أنه خبرٌ عن الثلاثة، أعني : صَدّاً وكفراً، وإخراجاً كما تقدَّم، وفيه حينئذٍ احتمالان :
أحدهما : أن يكون خبراً عن المجموع، والاحتمالُ الآخرُ أن يكونض خبراً عنها باعتبار كلِّ واحدٍ، كما تقول :« زيدٌ وبكرٌ وعمرو أفضلُ من خالدٍ »، أي : كلُّ واحِدٍ منهم على انفراده أفضلُ من خالدٍ. وهذا هو الظَّاهِرُ. وإِنّما أُفْرِدَ الخبر؛ لأنه أفضلُ من تقديرِه : أكبر من القتال في الشَّهر الحرامِ. وإنَّما حُذِفَ لدلالةِ المعنى.
الثاني من الوجهين في « أَكْبر » : أن يكونَ خبراً عن الأَخير، ويكونُ خبر « وَصَدّ » و « كُفْر » محذوفاً لدلالة خبر الثَّالث عليه تقديره : وصدّ وكُفر أكبر. قال أبو البقاء في هذا الوجه : ويجب أَنْ يكون المحذوفُ على هذا أَكْبَر لا « كبير » كما قدَّره بعضهم؛ لأَنَّ ذلك يوجب أن يكُون إخراج أهل المسجد منه أكبرَ من الكُفر، وليس كذلك. وفيما قاله أبو البقاء نظر؛ لأَنَّ هذا القائل يقولُ : حُذِف خبر « وَصَدّ » و « كُفْر » لدلالة خبر « قِتَالٍ » عليه، أي : القتالُ في الشَّهرِ الحرام كبيرٌ، والصَّدّ والكفر كبيران أيضاً، وإخراجُ أهل المسجد أكبرُ من القتالِ في الشَّهْرِ الحرام. ولا يلزمُ من ذلك أَن يكون أكبرَ من مجموعِ ما تقدَّم حتّى يلزمَ ما قاله من المحذور.
و « عِنْدَ اللهِ » متعلِّق ب « أَكْبر »، والعِنْديةُ هنا مَجَازٌ لِما عُرف.

فصل في المراد بهذا الإخراج


والمرد بهذا الإخراج أنَّهم أخرجوا المسلمين من المسجد، بل من مكة وإنما جعلهم أهلاً له؛ لأنَّهم القائمون بحقوق البيت كقوله تعالى :﴿ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى وكانوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ﴾ [ الفتح : ٢٦ ] وقال تعالى :﴿ وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ الله وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ المسجد الحرام وَمَا كانوا أَوْلِيَآءَهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ المتقون ﴾ [ الأنفال : ٣٤ ] فأخبر تعالى : أنَّ المشركين خرجوا بشركهم عن أن يكونوا أولياء المسجد ثم إنه تعالى ذكر هذه الأشياء، وحكم عليها بأنها أكبر، أي : كلُّ واحد منها أكبر من قتال في الشَّهر الحرام، وهذا تفريعٌ على قول الزَّجَّاج؛ لأن كلّ واحدٍ من هذه الأشياء أكبر من قتالٍ في الشهر الحرام، فالكفر أعظم من القتل، أو نقول : كلّ واحدٍ من هذه الأشياء أكبر من قتال في الشَّهر الحرام، وهو القتال الَّذي صدر عن عبدالله بن جحش؛ لأنه ما كان قاطعاً بوقوع ذلك القتال في الشَّهر الحرام، وهؤلاء الكفَّار قاطعون بوقوع هذه الأشياء منهم في الشَّهر الحرام؛ فيلزم أن يكون وقوع هذه الأشياء أكبر حجماً.


الصفحة التالية