وقتادة كذلك، إلا أنه خفَّف الميم، والمعنى : إلاَّ أن تحملوا على التغافل عنه، والمسامحة فيه. وقال أبو البقاء - رحمه الله - في قراءة قتادة :« ويجوزُ أن يكون مِنْ أغْمَضَ، أي : صودف على تلك الحال؛ كقولك : أَحْمَدْتُ الرجُلَ، أي : وجدته مَحْمُوداً » وبه قال أبو الفتح.
وقيل فيها أيضاً : إنَّ معناها إلاَّ أن تدخلوا فيه وتجذبوا إليه.
والإغماض : في اللغة غضُّ البصر، وإطباق الجفن، وأصله من الغموض، وهو الخفاء، يقال : هذا كلامٌ غامضٌ أي خفي الإدراك.
قال القرطبيُّ : من قول العرب : أغمض الرجل؛ إذا أتى غامضاً من الأمر؛ كما تقول : أعمن الرجل : إذا أتى عمان، وأعرق : إذا أتى العراق، وأنجد : إذا أتى نجداً، وأغار : إذا أتى الغور الذي هو تهامة.
أو من أغمض الرجل في أمر كذا : إذا تساهل فيه، والغمض : المتطامن الخفيُّ من الأرض، فقيل المراد به في الآية المساهلة؛ لأن الإنسان إذا رأى ما يكره أغمض عينيه؛ لئلا يرى ذلك، ثم كثر ذلك؛ حتى جُعِل كل تجاوزٍ، ومساهلةٍ في البيع، وغيره إغماضاً، فتقديره في الآية : لو أُهْدِي إليكم مثل هذه الأشياء، لما أخذتموها إلاَّ على استحياءٍ، وإغماضٍ، فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم؟! قاله البراء.
وقيل معناه : لو كان لأحدكم على رجل حقٌّ، فجاءه بهذا لم يأخذه إلاَّ وهو يرى أنه قد أغمض له عن حقِّه، وتركه.
وقال الحسن، وقتادة : لو وجدتموه يباع في السوق، ما أخذتموه بسعر الجيد؛ إلاَّ إذا أغمضتم بصر البائع، يعني أمرتموه بالإغماض، والحطِّ من الثمن.
ثم قال :﴿ واعلموا أَنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ والمعنى أنَّه غنيٌّ عن صدقاتكم، و « الحميد » أي : محمودٌ على ما أنعم بالبيان.
وقيل : قوله :« غَنِيٌّ » كالتَّهديد على إعطاء الرديء في الصدقات، و « حَمِيدٌ » : بمعنى حامدٍ، أي : أنا أحمدكم على ما تفعلونه من الخيرات، وهو كقوله تعالى :﴿ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً ﴾ [ الإسراء : ١٩ ].


الصفحة التالية
Icon