وقال القرطبيُّ :« الفَحْشَاءُ » : المعاصي، قال : ويجوز في غير القرآن : ويأمركم الفحشاء بحذف الباء، وأنشد سيبويه :[ البسيط ]

١٢٣٢أ- أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ فَقَدْ تَرَكْتُكَ ذَا مَالٍ وَذَا نَشَبٍ

فصل في بيان هل الفقر أفضل من الغنى؟!


تمسك بعضهم بهذه الآية في أنَّ الفقر أفضل من الغنى، لأن الشيطان إنما يبعد العبد من الخير، وهو بتخويفه الفقر يبعد منه.
قال ابن عطية : وليس في الآية حجَّةٌ؛ لقوله تعالى :﴿ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرازقين ﴾ [ سبأ : ٣٩ ] ثم قال :﴿ والله يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ ﴾ لذنوبكم، كقوله :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [ التوبة : ١٠٣ ].
وفي الآية لفظان يدلان على كمال هذه المغفرة :
أحدهما : التنكير في لفظ « المغْفِرَةِ »، والمعنى : مغفرةٌ وأيُّ مغفرة.
والثاني : قوله :« مَغْفِرَةً مِنْه » يدل على كمال حال هذه المغفرة؛ لأن كمال كرمه ونهاية جوده، معلومٌ لجميع العقلاء، فلما خص هذه المغفرة بكونها منه، علم أنَّ المقصود تعظيم حال هذه المغفرة؛ لأنَّ عظم المعطي يدلُّ على عظم العطيَّة.
قوله :﴿ مِّنْهُ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن يتعلَّق بمحذوفٍ؛ لأنه نعتٌ لمغفرة.
والثاني : أن يكون مفعولاً متعلقاً بيعد، أي : يعدكم من تلقاء نفسه.
و ﴿ وَفَضْلاً ﴾ صفته محذوفةٌ، أي : وفضلاً منه، وهذا على الوجه الأول، وأمَّا الثاني، فلا حذف فيه.

فصل


يحتمل أن يكون المراد من كمال هذه المغفرة ما قاله في آيةٍ أخرى :﴿ فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾ [ الفرقان : ٧٠ ]، ويحتمل أن يجعل شفيعاً في غفران ذنوب سائر المذنبين، ويحتمل أن يكون المقصود أمراً لا يصل إليه عقلنا ما دمنا في دار الدنيا، فإن تفاصيل أحوال الآخرة أكثرها محجوبة عنا، ما دمنا في الدنيا.
وأمَّا معنى الفضل، فهو الرزق، والخلف المعجَّل في الدنيا.
ثم قال تعالى :﴿ والله وَاسِعٌ ﴾، أي : واسع المغفرة والقدرة على إغنائكم، وإخلاف ما تنفقونه ﴿ عَلِيمٌ ﴾ لا يخفى عليه ما تنفقون؛ فهو يخلفه عليكم.


الصفحة التالية
Icon