وقال الواحديُّ : وأظهر التَّضعيف مع الجزم، ولسكون الحرف الثاني، وهو أكثر في اللُّغة من الإدغام.
و « منكم » متعلِّقٌ بمحذوفٍ؛ لأنَّه حالٌ من الضَّمير المستكن في « يَرْتَدِدْ » و « من » للتَّبعيض، تقديره : ومن يَرْتَدِدْ في حال كونه كائناً منكم، أي : بعضكم. و « عَنْ دِينِهِ » متعلِّقٌ ب « يَرْتَدد »، و « فَيَمُتْ » عطفٌ على الشَّرط، والفاء مؤذنةٌ بالتَّعقيق.
﴿ وَهُوَ كَافِرٌ ﴾ جملةٌ حاليةٌ من ضمير :« يَمُتْ »، وكأنَّها حالٌ مؤكِّدَةٌ؛ لأنَّها لو حذفت لفهم معناها، لأنَّ ما قبلها يشعر بالتَّعقيب للارتداد، وجيءَ بالحال هنا جملةً، مبالغة في التأكيد من حيث تكرُّر الضَّمير بخلاف ما لو جيء بها اسماً مفرداً.
وقوله :﴿ فأولاائك ﴾ جواب الشَّرط.
قال أبو البقاء : و « مَنْ » في موضع مبتدأ، والخبر هو الجملة التي هي قوله :﴿ فأولاائك حَبِطَتْ ﴾، وكان قد سلف له عند قوله :﴿ فَمَن تَبِعَ هُدَايَ ﴾ [ البقرة : ٣٨ ] أن خبر اسم الشَّرط هو فعل الشَّرط لا جوابه، وردَّ على من يدَّعي ذلك بما حكيته عنه ثمَّة، ويبعد منه توهُّمُ كونها موصولةً لظهور الجزم في الفعل بعدها، ومثله لا يقع في ذلك.
و « حَبِطَ » فيه لغتان : كسر العين وهي المشهورة وفتحها، وبها قرأ أبو السَّمَّال في جميع القرآن، ورويت عن الحسن أيضاً. والحبوط : أصله الفساد.
قال أهل اللُّغة : أصل الحبط أن تأكل الإبل شيئاً يضرّها، فتعظم بطونها، فتهلك. وفي الحديث :« وَإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً »، وذلك أنَّ الإبل تأكل من المرعى إلى أن تنتفخ بطنها؛ فتمون البطن.
ومنه :« حَبِطَ بَطْنُه »، أي : انتفخ، ومنه « رَجلٌ حَبَنْطَى »، أي : منتفخ البطن.
وحمل أوّلاً على لفظ « مَنْ » فأفرد في قوله :« يَرٍْتَدِدْ، فيمت، وهو كَافِرٌ » وعلى معناها ثانياً في قوله :« فَأُولَئِكَ » إلى آخره، فجمع، وقد تقدَّم أنَّ مثل هذا التَّركيب أحسن الاستعمالين : أعني الحمل أوّلاً على اللَّفظ، ثمَّ على المعنى. وقوله « في الدُّنْيَا » متعلِّقٌ ب « حَبِطَتْ ».
وقوله :﴿ وأولاائك أَصْحَابُ النار ﴾ إلى آخره تقدَّم إعراب نظيرتها. واختلفوا في هذه الجملة : هل هي استئنافيّةٌ، أي : لمجرَّد الإخبار بأنَّهم أصحاب النَّار، فلا تكون داخلةً في جزاء الشَّرط، بل تكون معطوفةً على جملة الشَّرط، أو هي معطوفة على الجواب؛ فيكون محلُّها الجزم؟ قولان، رجِّح الأوَّل بالاستقلال وعدم التّقييد، والثَّاني بأنَّ عطفها على الجزاء أقرب من عطفها على جملة الشَّرط، والقرب مرجِّحٌ.
فصل فيمن خرج من كفر إلى كفر
قال القرطبيُّ : اختلفوا فيمن خرج من كفر إلى كفر؛ فقال جمهور الفقهاء : لا يتعرَّض له؛ لأنَّه انتقل ما لو كان عليه في الابتداء لأقر عليه وعن الشَّافعيّ : أنَّه يقتل؛ بقوله عليه السَّلام :