ويجوز أن يتعلَّق بقوله :« فَلْيَكْتُبْ ».
قال أبو حيَّان :« والظّاهر تعلُّق الكاف بقوله : فَلْيَكْتُبْ » قال شهاب الدين رحمه الله تعالى : وهو قلق لأجل الفاء، ولأجل أنه لو كان متعلِّقاً بقوله :« فَلْيَكْتُبْ »، لكان النَّظم : فليكتب كما علمه الله، ولا يحتاج إلى تقديم ما هو متأخرٌ في المعنى.
وقال الزَّمخشريُّ - بعد أن ذكر تعلُّقه بأن يكتب، وب « فَلْيَكْتُبْ » - « فإِنْ قلت : أيُّ فرقٍ بين الوجهين؟ قلت : إن علَّقته بأن يكتب فقد نهى عن الامتناع من الكتابة المقيَّدة، ثم قيل [ له ] : فليكتب تلك الكتابة لا يعدل عنها، وإن علَّقته بقوله :» فَلْيَكْتُبْ « فقد نهى عن الامتناع من الكتابة على سبيل الإطلاق، ثم أمر بها مقيّدةً ». فيكون التقدير : فلا يأب كاتبٌ أن يكتب، وها هنا تمَّ الكلام، ثم قال بعده :﴿ كَمَا عَلَّمَهُ الله فَلْيَكْتُبْ ﴾، فيكون الأول أمراً بالكتابة مطلقاً، ثم أردفه بالأمر بالكتابة التي علمه الله إيَّاها.
ويجوز أن تكون متعلقةً بقوله : لا يأب، وتكون الكاف حينئذٍ للتعليل. قال ابن عطيّة - رحمه الله - :« ويحتمل أن يكون » كما « متعلّقاً بما في قوله » ولا يأْبَ « من المعنى، أي : كما أنعم الله عليه بعلم الكتابة، فلا يأب هو، وليفضل كما أفضل عليه ». قال أبو حيَّان :« وهو خلاف الظاهر، وتكون الكاف في هذا القول للتعليل » قال شهاب الدين رحمه الله : وعلى القول بكونها متعلقةً بقوله :« فليكتب » يجوز أن تكون للتعليل أيضاً، أي : فلأجل ما علَّمه الله فليكتب.
وقرأ العامة :« فَلْيَكْتُبْ » بتسكين اللام كقوله :« كَتْف » في كتِف، إجراءً للمنفصل مجرى المتّصل. وقد قرأ الحسن بكسرها وهو الأصل.
قوله :« ولْيُمْلِل » أمرٌ من أملَّ يملُّ، فلمَّا سكن الثاني جزماً جرى فيه لغتان : الفكُّ وهو لغة الحجاز وبني أسد، والإدغام وهو لغة تميم، وقيس، ونزل القرآن باللُّغتين.
قال تعالى في اللغة الثانية :﴿ فَهِيَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ [ الفرقان : ٥ ] وكذا إذا سكن وقفاً نحو : أملل عليه وأملَّ، وهذا مطَّرد في كل مضاعفٍ، وسيأتي تحقيق هذا إن شاء الله تعالى عند قراءتَيْ :« مَنْ يَرْتَدِدْ، ويرتدَّ ».
وقرئ هنا شاذّاً :« وَلْيُمِلَّ » بالإدغام، ويقال : أملَّ يملُّ إملالاً، وأملى، يملي إملاءً؛ ومن الأولى قوله :[ الطويل ]
١٢٧٩- أَلاَ يَا دِيَارَ الحَيِّ بِالسَّبُعَانِ | أَمَلَّ عَلَيْهَا بِالبِلَى المَلَوانِ |
و « الحَقُّ » يجوز أن يكون مبتدأٌ، و « عَلَيْهِ » خبر مقدمٌ، ويجوز أن يكون فاعلاً بالجارِّ قبله لاعتماده على الموصول، والموصول هو فاعل « يُمْلِل » ومفعوله محذوف، أي : وليملل الديَّان الكاتب ما عليه من الحقِّ، فحذف المفعولين للعلم بهما.