﴿ فَإِن كَانَتَا اثنتين ﴾ [ النساء : ١٧٦ ]، ويكون المعنى على هذا أنه لا يعدل إلى ما ذكر إلا عند عدمِ الرِّجال. والألفُ في « يَكُونَا » عائدةٌ على « شَهِيدَيْنِ »، تفيدُ الرجولية.

فصلٌ


قال القرافيُّ : العلماءُ يقولون : إِذَا ورد النَّصُّ بصيغة « أو » فهو للتَّخيير، كقوله تعالى :﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ ﴾ [ المائدة : ٨٩ ]، وإن ورد النَّصُّ بصيغة الشَّرط كقوله :﴿ فَمَنْ لَمْ يَجدْ ﴾ [ البقرة : ١٩٦ ] الآية فهو على التَّرتيب، وهذا غير صحيح لهذه الآية؛ لأَنَّ قوله تعالى :﴿ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان ﴾ يقتضي على قولهم أَلاَّ يجوز استشهادُ رجُلٍ وامرأتين إِلاَّ عند عدم الرَّجلين، وقد أَجمعت الأُمَّة على جواز ذلك، عند وجود الرَّجلين، وأَنَّ عدمهما ليس بشرطٍ، واستفدنا من هذه الآية سؤالين عظيمين.
الأول : أَنَّ الصِّيغة لا تقتضي التَّرتيب.
الثاني : أَنَّهُ لا يلزمُ من عدم الشَّرط عدم المشروط، وهو خلافُ الإِجماع، وهو هناك كذلك.
قولنا : إذا لم يكن العدد زوجاً، فهو فردٌ، وإِنْ لم يكن فرداً، فهو زوج مع أَنَّهُ لا تتوقَّف زوجيَّته على عدم الفرديَّة، ولا فرديته على عدمِ الزَّوجيَّة. بل هو واجبُ الثُّبوت في نفسه، وجد الآخر أم لا، وإذا تقرَّر هذا، فالمُرادُ من الآية : انحصارُ الحُجَّة التَّامَّة من الشَّهادة، بعد الرَّجلين في الرَّجل، والمرأتين، فإِنَّه لا حُجَّة تامَّةٌ من الشَّهادة في الشَّريعة، إِلاَّ الرَّجُلين، والرَّجُلَ، والمرأتين، هذا هو المجمع عليه من البيِّنة الكامِلة، في الأَموال، فإذا فرض عدم إحداهما، قبل الحصر في الأُخرى، وقد وضح أَنَّ الشَّرط كما يستعملُ في الترتيب؛ كذلك يُسْتعملُ في الحصر، والكل حقيقة لغوية، فضابطُ ما يتوقَّف فيه المشروطُ على الشَّرطِ، هو الَّذي لا يراد به الحصرُ، فمتى أُريد به الحصرُ فلا يدلُّ على التَّرتيب، بل لا بُدَّ من قرينة.
قوله :﴿ فَرَجُلٌ وامرأتان ﴾ يجوزُ أن يرتفع ما بعد الفاءِ على الابتداءِ، والخبرُ محذوفٌ تقديره : فرجلٌ، وامرأتان، يكفُون في الشَّهادة، أو مُجزِئون، ونحوه. وقيل : هو خبرٌ والمبتدأُ محذوفٌ تقديره : فالشَّاهدُ رجلٌ، وامرأتان وقيل : مرفوعٌ بفعلٍ مقدَّرٍ تقديره : فيكفي رجُلٌ، أي : شهادةُ رجلٍ، فحُذِف المضافُ للعلم به، وأُقيم المضافُ إليه مقامه. وقيل : تقدير الفعلِ فَلْيَشْهَدْ رجلٌ، وهو أحسنُ، إذ لا يُحوج إلى حذفِ مُضافٍ، وهو تقديرُ الزَّمخشريُّ.
وقيل : هو مرفوعٌ بكان النَّاقصة، والتَّقدير : فليكن مِمَّن يشهدون رجلٌ وامرأتان، وقيل : بل بالتَّامَّةِ وهو أَولى؛ لأنَّ فيه حذف فعلٍ فقط بقي فاعلُهُ، وفي تقدير النَّاقصة حذفُها مع خبرها، وقد عُرِفَ ما فيه، وقيل : هو مرفوعٌ على ما لم يسمَّ فاعلُهُ، تقديرُهُ : فليُسْتَشْهَد رجلٌ. قال أبو البقاء :« وَلَوْ كَانَ قَدْ قُرئ بالنَّصب لكان التَّقديرُ : فَاسْتَشْهِدُوا » وهو كلامٌ حسنٌ.
وقرئ :« وَامْرَأَتَانِ » بسكون الهمزة التي هي لامُ الكلمة، وفيها تخريجان.
أحدهما : أنه أَبْدَل الهمزة ألفاً، وليس قياسُ تخفيفها ذلك، بل بَيْنَ بين، ولمَّا أبدلها ألفاً همزها كما هَمزتِ العربُ نحوك العأْلَمِ، والخَأْتَمِ؛ وقوله :[ الرجز ]


الصفحة التالية
Icon