١٢٨٩-....................... وَأَضْرَبَ مِنَّا بِالسُّيُوفِ القَوَانِسَا
وقد قيل :« إشن » القَوانسَ « منصوبٌ بمضمر يدلُّ عليه أفعل التَّفضيل، هذا معنى كلام أبي حيّان، وهو ماشٍ على أنّ » أَقْوَم « من أقام المتعدّي، وأمَّا إذا جعلته من » قَام « بمعنى ثبت فاللاَّم غير زائدة.
قوله :﴿ أدنى أَلاَّ ترتابوا ﴾، أي : أقرب، وحرف الجرّ محذوفٌ، فقيل : هو اللاَّم أي : أدنى لئلاَّ ترتابوا، وقيل هو »
إلَى « وقيل : هو » من «، أي : أدنى إلى ألاّ ترتابوا، وأدنى من ألا ترتابوا. وفي تقديرهم :» مِنْ « نظرٌ، إذ المعنى لا يساعد عليه. و » تَرْتَابُوا « : تفتعلوا من الرِّيبة، والأصل :» تَرْتَيِبُوا «، فقلبت الياء ألفاً لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها. والمفضَّل عليه محذوفٌ لفهم المعنى، أي : أقسط وأقوم، وأدنى لكذا من عدم الكتب، وحسَّن الحذف كون أفعل خبراً للمبتدأ بخلاف كونه صفةً، أو حالاً. وقرأ السُّلمي :» ألاّ يَرْتَابُوا « بياء الغيبة كقراءة :» وَلاَ يَسْأَمُوا أَنْ يكتبُوهُ « وتقدَّم توجيهه.

فصل في فوائد الإشهاد والكتابة


اعلم أنَّ الكتابة، والاستشهاد تشتمل على ثلاث فوائد :
الأولى : قوله :﴿ أَقْسَطُ عِندَ الله ﴾، أي : أعدل عند الله وأقرب إلى الحقّ.
والثانية : قوله :﴿ أَقْومُ لِلشَّهَادَةِ ﴾، أي : أبلغ في استقامته التي هي ذد الاعوجاج؛ لأنَّ المنتصب القائم ضدّ المنحني المعوج، وإنَّما كانت أقوم للشَّهادة؛ لأنها سبب للحفظ والذكر، فكانت أقرب إلى الاستقامة.
والفرق بين الفائدة الأولى والثانية أن الأولى تتعلّق بتحصيل مرضاة الله، والثانية تتعلّق بتحصيل مصلحة الدُّنيا، ولهذا قدمت الأولى عليها؛ لأن تقديم مصلحة الدّين على مصلحة الدُّنيا واجب.
الفائدة الثالثة : قوله :﴿ وأدنى أَلاَّ ترتابوا ﴾ يعني أقرب إلى زوال الشَّكِّ والارتياب عن قلوب المتداينين، فالفائدة الأولى إشارة إلى تحصيل مصلحة الدِّين.
والثَّانية : إشارة إلى تحصيل مصلحة الدُّنيا.
والثالثة : إشارة إلى دفع الضَّرر عن النَّفس وعن الغير، أمَّا عن النَّفس فلأنه يبقى في الفكران، أنَّ هذا الأمر كيف كان، وهذا الذي قلت : هل كان صدقاً، أو كذباً، أمَّا عن الغير، فلأنّ ذلك الغير ربَّما نسبه إلى الكذب، فيقع في عقاب الغيبة.
قوله :﴿ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً ﴾ في هذا الاستثناء قولان :
أحدهما : أنه متَّصل قال أبو البقاء :»
والجُمْلَةُ المستثناة في موضع نصبٍ؛ لأنَّه استثناءٌ [ من الجنس ] لأنه أمرٌ بالاستشهاد في كلِّ معاملةٍ، فالمستثنى منها التجارة الحاضرة، والتَّقدير : إلاَّ في حال حضور التِّجارة «.
والثاني : أنَّه منقطع، قال مكي بن أبي طالبٍ : و »
أَنْ « في موضع نصبٍ على الاستثناء المنقطع » وهذا هو الظَّاهر، كأنه قيل : لكنّ التّجارة الحاضرة، فإنَّه يجوز عدم الاستشهاد والكتب فيها.
وقرأ عاصم هنا « تِجَارَةً » بالنَّصب، وكذلك « حَاضِرَةً » ؛ لأنها صفتها، ووافقه الأخوان، والباقون قرءوا بالرَّفع فيهما.


الصفحة التالية
Icon