﴿ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ﴾ [ البقرة : ٢٨٣ ] والإثم والفسق متقاربان وهذا في التَّفسير منقول عن ابن عبَّاس - رضي الله عنه - ومجاهد وطاوس، والحسن وقتادة. ونقل الدَّاني عن ابن عمر، وابن عبَّاس، ومجاهد، وابن أبي إسحاق أنهم قرءوا الرَّاء الأولى بالكسر، حين فكُّوا.
ويحتمل أن يكون الفعل فيها مبنيّاً للمفعول، والمعنى : أنَّ أحداً لا يُضَارِرُ الكاتب ولا الشَّاهد، ورجَّح هذا بأنه لو كان النَّهي متوجِّهاً للكاتب والشّهيد لقال :« وإِنْ تفعلا فإنه فسوقٌ بكما »، ولأنَّ السياق من أول الآيات إنما هو للمكتوب له والمشهود له بأن يودّهما ويمنعهما من مهمَّاتها، وإذا كان خطاباً للذين يقدمون على المداينة، فالمنهيُّون عن الضِّرار هم، وهذا قول ابن عباس وعطاء ومجاهد وابن مسعود. ونقل الداني أياضً عن ابن عمر وابن عباس ومجاهد أنهم قرءوا الراء الأولى بالفتح. فالآية عندهم محتملةٌ للوجهين ففسروا وقرءوا بهذا المعنى تارةً وبالآخر أخرى.
وقرأ أبو جعفر، وعمرو بن عبيدٍ :« ولا يُضارَ » بتشديد الرّاء ساكنةً وصلاً، وفيها ضعفٌ من حيث الجمع بين ثلاث سواكن، لكنَّه لمَّا كانت الألف حرف مدٍّ؛ قام مدُّها مقام حركةٍ، والتقاء السَّاكنين مغتفرٌ في الوقف، ثم أجري الوصل مجرى الوقف في ذلك.
وقرأ عكرمة :« ولا يُضَارِرْ كَاتِباً وَلاَ شَهِيداً » بالفكِّ، وكسرِ الراءِ الأولى، والفاعلُ ضميرُ صاحب الحق، ونَصْب « كاتباً »، و « شهيداً » على المَفْعُول به، أي : لا يضارِرْ صَاحِبُ حقٍّ كاتباً ولا شهيداً بأن يُجبِرَهُ ويُبْرِمَه بالكِتَابَة والشهادةِ؛ أو بأَنْ يحمِلَه على ما لا يَجُوز.
وقرأ ابن محيصن :« ولا يُضارُّ » برفع الرَّاء، وهو نفيٌ فيكون الخبر بمعنى النهي كقوله :﴿ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ ﴾ [ البقرة : ١٩٧ ].
وقرأ عكرمة في رواية مقسم :« ولا يُضارِّ » بكسر الرَّاء مشدَّدةً على أصل التقاء الساكنين. وقد تقدَّم تحقيقُ هذه عند قوله :﴿ لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا ﴾ [ البقرة : ٢٣٣ ].
قوله :﴿ وَإِن تَفْعَلُواْ ﴾، أي : تفعلوا شيئاً ممَّا نهى الله عنه، فحذف المفعول به للعلم به. والضّمير في « فإنَّهُ » يعود على الامتناع، أو الإضرار. و « بِكُمْ » متعلّقٌ بمحذوفٍ، فقدَّره أبو البقاء :« لاحِقٌ بِكُم »، وينبغي أن يقدَّر كوناً مطلقاً؛ لأنه صفةٌ ل « فُسُوق »، أي : فسوق مستقرٌّ بكم، أي : ملتبسٌ بكم ولاحق بكم.
قوله :﴿ واتقوا الله ﴾، يعني : فيما حذَّر منه هاهنا، وهو المضارة، أو يكون عاماً، أي : اتَّقوا الله في جميع أوامره، ونواهيه.
قوله :﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ الله ﴾ يجوز في هذه الجملة الاستئناف - وهو الظَّاهر - ويجوز أن تكون حالاً من الفاعل في « اتَّقوا » قال أبو البقاء :« تقديره : واتقوا الله مضموناً لكم التَّعليم، أو الهداية، ويجوز أن تكون حالاً مقدَّرة ». قال شهاب الدين : وفي هذين الوجهين نظرٌ، لأنَّ المضارع المثبت لا تباشره واو الحال، فإن ورد ما ظاهره ذلك يؤوَّل، لكن لا ضرورة تدعو إليه ههنا.

فصل


المعنى : يعلمكم ما يكون إرشاداً، أو احتياطاً في أمر الدُّنيا، كما يعلِّمكم ما يكون إرشاداً في أمر الدِّين، ﴿ والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾، أي : عالم بجميع مصالح الدُّنيا، والآخرة.


الصفحة التالية
Icon