ويقال : رَهنتُ لساني بكذا، ولا يُقال فيه « أَرْهَنْتُ » ثم أُطْلق الرَّهنُ على المرهون من باب إطلاق المصدرِ على اسم المفعول كقوله تعالى :﴿ هذا خَلْقُ الله ﴾ [ لقمان : ١١ ]، و « درهَمٌ ضَرْبُ الأَمِير »، فإذا قلت :« رَهَنْتُ زيداً ثوباً رَهْناً » فرهناً هنا مصدرٌ فقط، وإذا قلت « رهنْتُ زيداً رَهْناً » فهو هنا مفعولٌ به؛ لأن المراد به المرهونُ، ويُحتملُ أن يكونَ هنا « رَهْناً » مصدراً مؤكداً أيضاً، ولم يذكرِ المفعول الثَّاني اقتصاراً كقوله :﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ ﴾ [ الضحى : ٤ ].
و « رَهْن » مِمَّا استغني فيه بجمعِ كثرته عن جمع قلَّته، وذلك أنَّ قياسه في القلةِ أفعل كفلس، وأفلسُ، فاستُغنيَ برَهن ورِهان عن أرَهنُ.
وأصل الرَّهن : الثُّبوت والاستقرارُ يقال : رهن الشَّيءُ، فهو راهنٌ إذا دام واستقر، ونعمةٌ راهنةٌ، أي : دائمة ثابتة، وأنشد ابن السَِّكِّيت :[ البسيط ]

١٢٩٨- لاَ يَسَفِيقُونَ مِنْهَا وَهْيَ رَاهِنَةٌ إِلاَّ بهَاتِ وَإِنْ نَهِلُوا
ويقال :« طَعَامٌ رَاهِنٌ » أي : مُقيمٌ دائمٌ؛ قال :[ البسيط ]
١٢٩٩- الخُبْزُ واللَّحْمُ لَهُمْ رَاهِنٌ .......................
أي : دائمٌ مستقرٌّ، ومنه سُمِّي المرهونُ « رَهْناً » لدوامِه واستقراره عند المُرتهِن.

فصل في إثبات الرهن في الحضر والسفر


جمهورُ الفُقهاء على أَنَّ الرهن في الحضرِ، والسَّفر سواءٌ، وفي حال وجود الكاتب، وعدمهِ، وذهب مجاهِدٌ : إلى أَنَّ الرهنَ لا يجوزُ إِلاَّ في السقر؛ لظاهر الآية، ولا عمل عليه، وإِنَّما قيدت الآيةُ بالسفر؛ لأَنَّ الغالبَ في السفرِ عدمُ الكاتِب؛ فهو كقوله :﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصلاة إِنْ خِفْتُمْ ﴾ [ النساء : ١٠١ ] وليس الخوفُ من شرط جواز القصرِ؛ ويدلُّ عليه ما رُوِيَ عن النبي - ﷺ - أَنَّهُ رهن دِرْعَهُ عند أَبِي الشَّحم اليهوديِّ ولم يكن ذلك في سفرٍ.
قوله :﴿ فَإِنْ أَمِنَ ﴾ قرأ أُبي فيما نقله عنه الزَّمخشريُّ « أُومِنَط مبنيّاً للمفعول، قال الزَّمخشريُّ : أي :» أَمِنَه الناسُ وَوَصَفُوا المَدْيُونَ بالأمانةِ والوفاءِ « قلت : وعلامَ تنتصبُ بَعْضاً؟ والظاهرُ نصبه بإسقاطِ الخافض على حذف مضافٍ، أي : فإن أُومِنَ بعضُكم على متاعٍ بعضٍ، أو على دينِ بعضٍ.
وفي حرف أُبيّ :»
فَإِن اؤْتُمِنَ « يعني : وإن كان الذي عليه الحقُّ أَمِيناً عند صاحب الحقِّ؛ فلم يرتهن منه شيئاً؛ لحسن ظنه به.
قوله :﴿ فَلْيُؤَدِّ الذي اؤتمن أَمَانَتَهُ ﴾ إذا وُقِفَ على الَّذِي، وابتُدىءَ بما بعدها قيل :»
اوتُمِنَ « بهمزةٍ مضمومةٍ، بعدها واوٌ ساكنةٌ، وذلك لأنَّ أصله اؤْتُمِنَ؛ مثل اقتُدر بهمزتين : الأُولى للوصل، والثَّانية فاءُ الكلمة، ووقعت الثانيةُ ساكنةً بعد أُخرى مثلها مضمومةً؛ فوجب قَلْبُ الثانية لمُجانس حركة الأُولى، فقلت : اوتُمِنَ؛ فأمَّا في الدَّرج، فتذهبُ همزةُ الوصل؛ فتعودُ الهمزةُ إلى حالها؛ لزوالِ موجب قلبها واواً، بل تُقلبُ ياءً صريحةً في الوصلِ؛ في رواية ورشٍ.
ورُوي عن عاصم :»
الَّذِي اؤْتُمِنَ « برفع الأَلف ويُشير بالضَّمَّةِ إلى الهمزةِ، قال ابن مجاهدٍ :» وهذه الترجمةُ غلطٌ « ورَوَى سليم عن حمزة إشمامَ الهمزةِ الضَّمَّ، وفي الإِشارة، والإِشمام المذكُورَين نظرٌ.


الصفحة التالية
Icon