السادس : أنه - تعالى - قال :﴿ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ﴾ فيكون الغُفرانُ لمن كان كارِهاً لورُودِ تلك الخواطِرِ، والعَذَابُ إن كان مُصِرّاً على تِلك الخواطِرِ مستحسِناً لها.
السابع : المراد كتمان الشَّهادة؛ وهذا ضعيفٌ، لعُموم اللَّفظ.
قوله تعالى :﴿ فَيَغْفِرُ ﴾ : قرأ ابن عامر وعاصمٌ برفع « يَغْفِرُ » و « يُعَذِّبُ »، والباقون من السبعةِ بالجزم، وقرأ ابن عباس والأعرجُ وأبو حيوة :« فَيَغْفِرَ » بالنصب.
فأمَّا الرفعُ : فيجوزُ أَنْ يكونَ رفعُه على الاستئنافِ، وفيه احتمالان :
أحدهما : أن يكونَ خبر مبتدأ محذوفٍ، أي : فهو يَغْفِرُ.
والثاني : أنَّ هذه جملةٌ فعليةٌ من فعلٍ وفاعلٍ، عُطِفت على ما قبلها.
وأمَّا الجزمُ فللعطفِ على الجزاءِ المجزوم.
وأمَّا النصبُ : فبإضمار « أَنْ »، وتكونُ هي وما في حَيِّزها بتأويلِ مصدرٍ معطوف على المصدر المتوهِّم من الفعلِ قبل ذلك، تقديره : تكنْ محاسبةُ، فغفرانٌ، وعذابٌ. وقد رُوي قولُ النابغة بالأوجه الثلاثة، وهو :[ الوافر ]
١٣٠٢ - فَإِنْ يَهْلِكْ أَبُو قَابُوسَ يَهْلِكْ | رَبيعُ النَّاسِ وَالبَلَدُ الحَرَامُ |
ونَأْخُذْ بَعْدَهُ بِذِنَابِ عَيْشٍ | أَجَبَّ الظَّهْر لَيْسَ لَهُ سَنَامُ |
وقرأ الجعفي وطلحة بن مصرِّف وخلاَّد :« يَغْفِرْ » بإسقاط الفاء، وهي كذلك في مصحف عبد الله، وهي بدلٌ من الجواب؛ كقوله تعالى :﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ العذاب ﴾ [ الفرقان : ٦٨-٦٩ ]. وقال أبو الفتح :« وهي على البدلِ من » يُحاسِبْكُمْ «، فهي تفسيرٌ للمحَاسَبَة » قال أبو حيان :« وليس بتفسيرٍ، بل هما مترتِّبان على المُحَاسَبَةِ ». وقال الزمخشريُّ :« ومعنى هذا البدلِ التفصيلُ لجملة، الحساب؛ لأنَّ التفصيلَ أوضحُ من المفصَّل، فهو جارٍ مجرى بدل البعض من الكلِّ أو بدل الاشتمال؛ كقولك :» ضَرَبْتُ زَيْداً رَأْسَهُ « و » أَحْيَيْتُ زَيْداً عَقْلَهُ «، وهذا البدلُ واقعٌ في الأفعالِ وقوعَه في الأسماءِ؛ لحاجةِ القبلتينِ إلى البيان ».
قال أبو حيان : وفيه بعضُ مناقشةٍ : أمَّا الأولُ؛ فقوله :« معنَى هذا البدلِ التفصيلُ لجملةِ الحسابِ »، ولس العذابُ والغفرانُ تفصيلاً لجملةِ الحسابِ؛ لأنَّ الحِسَابَ إنما هو تعدادُ حسناتِه وسيئاتِه وحصرُها، بحيث لا يَشُذُّ شيءٌ منها، والغفرانُ والعذابُ مترتِّبان على المُحاسَبَة، فليست المحاسبةُ مفصَّلةٌ بالغفرانِ والعذابِ. وأمَّا ثانياً؛ فلقوله بعد أَنْ ذكر بدل البعض من الكل وبدل الاشتمال :« وهذا البدلُ واقعٌ في الأفعالِ وقوعَه في الأسماءِ لحاجةِ القبيلَين إلى البيان »، أمَّا بدلُ الاشتمال، فهو يمكن، وقد جاءَ؛ لأنَّ الفعلَ يدُلُّ على الجنسِ، وتحته أنواعٌ يشتملُ عليها، ولذلك إذا وقع عليه النفيُ، انتفَتْ جميعُ أنواعه، وأمَّا بدلُ البعضِ من الكلِّ، فلا يمكنُ في الفعل إذ الفعلُ لا يقبلُ التجزُّؤَ؛ فلا يقال في الفعلِ له كلٌّ وبعضٌ، إلا بمجازٍ بعيدٍ، فليس كالاسم في ذلك، ولذلك يستحِيلُ وجودُ [ بدل ] البعضِ من الكلِّ في حق الله تعالى؛ إذ الباري لا يتقسَّم ولا يتبعَّض.