وحجَّة القائلين بأنَّ الخمر من عصير العنب وغيره ما روى أبو داود عن عمر - رضي الله عنه - قال :« نَزَلَ تحريمُ الخَمْرِ يَوْمَ نَزَلَ وهي من خمسة من العِنَبِ، والتَّمْرِ، والحِنْطَةِ، والشَّعِيرِ، والذُّرَةِ ».
والخمر ما خامر العقل.
وفي « الصَّحيحين » عن عمر أنَّه قال على منبر رسول الله ﷺ : ألا إنّ الخرم قد حرِّمت، وهي من خمسة : من العنب، والتَّمر، والعسل، والحنطة، والشعير والخمر ما خامر العقل. وروى أبو داود عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ :« كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ » وفي « الصَّحِيحَيْنِ » أنه عليه السَّلام سُئِلَ عن البِتع، فقال :« كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ، فَهُوَ حَرَامٌ » والبِتع شراب يتخذ من العسل.
قال الخطابيُّ : والدَّلالة من وجهين :
أحدهما : أنَّ الآية لما دلَّت على تحريم الخمر، وكان مسمَّى الخمر مجهولاً من القوم، حسن من الشَّارع أن يقال : مراد الله تعالى من هذه اللَّفظة هذا، ويكون على سبيل إحداث لغةٍ، كما في الصَّلاة والصَّومِ وغيرهما.
والوجه الآخر : أن يكون معناه : أنَّه كالخمر في الحرمة؛ لأن قوله هذا خمر، فإن كان حقيقةً؛ فحصل المدّعي، وإن كان مجازاً؛ فيكون حكمه كحكمه؛ لأنَّا بيَّنا أنَّ الشَّارع ليس مقصوده تعليم اللُّغات على تعليم الأحكام، وحديث البتع يبطل كلَّ تأويلٍ ذكره أصحاب تحليل الأنبذة، وإفساد قول من قال : إنَّ القليل من المسكر من الأنبذة مباحٌ؛ لأنَّه - عليه السَّلام - سُئِلَ عن نوع واحدٍ من الأنبذة، وأجاب بتحريم الجنس، فدخل فيه القليل والكثير، ولو كان ثمَّ تفصيلٌ في شيءٍ من أنواعه ومقاديره لذكره ولم يهمله، وقال - عليه الصَّلاة والسَّلام - :« مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ »، وقال :« مَا أَسْكَرَ الفرق منه فتمسك الكف منه حرام ».
قال الخطابي :« الفَرقُ » : مِكْيَالٌ يَسَعُ ستَّة عشَرَ رطلاً وروى أبو داود عن أُمِّ سلمة قالت : نهى رسول الله ﷺ عن كلِّ مسكرٍ ومفترٍ.
قال الخطَّابيُّ :« المفترُ » كلّ شرابٍ يورث الفتور، والخدر في الأعضاء.
واستدلُّوا أيضاً بالاشتقاق المتقدّم وأيضاً بقوله تعالى :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء فِي الخمر والميسر وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة ﴾ [ المائدة : ٩١ ].
وهذه العلَّة موجودة في الأنبذة؛ لأنَّها مظنّته.
وأيضاً فإنّ عمر، ومعاذ قالا : يا رسول الله، إنَّ الخمر مسلبةٌ للعقل مذهبة للمال؛ وهذه العلَّة موجودة في الأنبذة.
والجواب عن دلائل أبي حنيفة : أنَّ قوله ﴿ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً ﴾ [ النحل : ٦٧ ] نكرة في سياق الإثبات، فلم قلتم إنّ ذلك السُّكر هو هذا النَّبيذ.