قوله تعالى :﴿ لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت ﴾ :« وُسْعَهَا » مفعولٌ ثانٍ، وقال ابن عطية :« يُكَلِّفُ يتعدَّى إلى مفعولين، أحدهما محذوفٌ، تقديره : عبادةً أو شيئاً ». قال أبو حيان :« إن غَنَى أنَّ أصله كذا، فهو صحيحٌ؛ لأنَّ قوله :» إِلاَّ وُسْعَهَا « استثناءٌ مفرَّغٌ من المفعول الثاني، وإن عَنَى أنَّ أصله كذا، فهو صحيحٌ؛ لأنَّ قوله :» إِلاَّ وُسْعَهَا « استثناءٌ مفرَّغٌ من المفعول الثاني، وإن عَنَى أنَّه محذوفٌ في الصنعة، فليس كذلك، بل الثاني هو » وُسْعَهَا « ؛ نحو :» مَا أَعْطَيْتُ زَيْداً إِلاَّ دِرْهَماً «، و » مَا ضَرَبْتُ إِلاَّ زَيْداً « هذا في الصناعة هو المفعول، وإن كان أصله : ما أعْطَيْتُ زَيْداً شَيْئاً إِلاَّ دِرْهَماً »، والوسع : ما يسع الإنسان، ولا يضيق عليه، ولا يخرج منه. قال الفرَّاء : هو اسم كالوجد والجهد. وقال بعضهم : الوسع هو هدون المجهود في المشقَّة، وهو ما يتَّسع له قدرة الإنسان. وقرأ ابن أبي عبلة :« إِلا وَسِعَهَا » جعله فعلاً ماضياً، وخرَّجوا هذه القراءة على أنَّ الفعل فيها صلةٌ لموصول محذوفٍ تقديره :« إِلاَّ ما وَسِعَهَا » وهذا الموصول هو المفعول الثاني، كما كان « وُسْعَهَا » كذلك في قراءة العامَّة، وهذا لا يجوز عند البصريِّين، بل عند الكوفيِّين، على أنَّ إضمار مثل هذا الموصول ضعيفٌ جدّاً؛ إذ لا دلالة عليه؛ وهذا بخلاف قول الآخر حيث قال :[ الخفيف ]
١٣٠٦ - مَا الَّذِي دَأْبُهُ احْتِيَاطٌ وَحَزْمٌ | وَهَوَاهُ أَطَاعَ يَسْتَوِيَانِ |
١٣٠٧- أَمَنْ يَهْجُو رَسُولَ اللهِ مِنْكُمْ | وَيَنْصُرُهُ وَيَمْدَحُهُ سَواءُ |
فصل في كيفيَّة النَّظم
إن قلنا إِنَّه من كلام المؤمنين، فإنَّهم لمَّا قالوا :« سَمِعْنَا وأَطَعْنَا » فكأنَّهم قالوا : كيف نسمع ولا نطيع، وهو لا يكلِّفنا إلاَّ ما في وسعنا وطاقتنا بحكم الرَّحمة الإلهيَّة.