« أسلموا »، قالوا : قد أسلمنا، قال عليه السلام :« كذبتم؛ يمنعكم من الإسلام دعاؤُكم لله ولداً، وعبادتكم الصليب، وأكلُكُم الخنزيرَ »، قالوا : إن لم يكن ولدَ الله فمن أبوه؟ فسكت رسول الله ﷺ فأنزل اللهُ تعالى أولّ سورةِ آل عمرانَ إلى بضع وثمانين آية، منها أخذ رسول اللهِ ﷺ بناظرهم، فقال :« ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّه لاَ يَكُونُ وَلَدٌ إلا ويشبه أبَاهُ؟ قالوا : بَلَى، قال : ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ رَبَّنَا حَيٌّ لا يَمُوتُ، وأنَّ عِيسَى يأتي عليه الفناءُ؟ قالوا : بَلَى، قال : ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ رَبَّنَا قَيِّمٌ عَلى كُلِّ شَيءٍ، يَحْفَظُهُ ويَرْزُقُهُ؟ قالوا : بَلَى، قال : فَهَلْ يَمْلِكُ عِيسَى مِنْ ذَلِكَ شيئاً؟ قالوا : لا، قال : ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ اللهَ تَعَالى لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض، ولا في السَّماءِ؟ قالوا : بلى، قال : فهل يعلم عيسَى شيئاً من ذلك إلا ما عُلِّمَ؟ قالوا : لا، قال : فإن ربَّنا صوَّر عيسى في الرحم كيف شاء، قال : ألستم تعلمون أنَّ ربَّنا لا يأكل، ولا يشربُ ولا يُحْدِثُ؟ قالوا : بلى، قال : ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمُّه كما تحمل المرأةُ، ووضعته كما تضع المرأةُ ولدَها، ثم غُذِّي كما يُغَذَّى الصبيُّ، ثم كان يَطْعَم الطعامَ، ويَشْرَب الشراب ويُحدِث الحدثَ؟ قالوا : بلى، قال : فكيف يكون هذا كما زعمتم » ؟ فسكتوا، وأبَوْا إلا جُحُوداً، ثم قالوا : يا محمد، ألستَ تزعم أنه كلمةُ الله ورُوحٌ منه؟ قال :« بلَى »، قالوا : فحسبنا، فأنزل الله تعالى :﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابتغاء الفتنة وابتغاء تَأْوِيلِهِ ﴾ [ آل عمران : ٧ ]، ثم أمر الله محمداً بملاعنتهم _ إن ردوا عليه - فدعاهم إلى الملاعنة، فقالوا : يا أبا القاسم، دَعْنَا نَنْظُرْ في أمرنا، ثم نأتيك بما تريد أن تفعل، فانصرفوا، ثم قال بعضُ أولئك الثلاثةِ لبعضهم : ما ترى؟ فقال : والله يا معشرَ النصارى لقد عرفتم أن محمداً نبيٌّ مُرْسَل، ولقد جاءكم بفَضلٍ من خَبَرِ صاحبكم، ولقد علمتم مَا لاَعَنَ [ قط ] قومٌ نبيًّا إلا وفنِيَ كبيرُهم وصغيرُهم، وإنه الاستئصالُ منكم - إن فعلتم - وأنتم قد أبيتم إلا دينَكم، والإقامة على ما أنتم عليه فوادِعُوا الرجلَ، وانصرِفوا إلى بلادِكم، فأتَوْا رسولَ اللهِ ﷺ فقالوا [ ابا القاسم ] قد رأينا أن لا نُلاعنك، وأن نتركَك على دينك، وأن نرجعَ نحن على ديننا، فابعثْ رجلاً من أصحابك [ معنا ] يحكم بيننا في أشياءَ قد اختلَفْنا فيها من أموالِنا؛ فإنَّك عندنا رِضّى، فقال عليه السلامُ :[ ائتوني ] في العشيةِ أبعثْ معكم القويَّ لأمينَ، فكان عمرُ يقول : ما أحببت الإمارة قَطّ إلا يومئذٍ؛ رجاءَ أن أكونَ صاحبَها، قال : صلينا مع النبي ﷺ ثم نظر عن يمينه، وعن يساره، وجعلت أتَطَاولُ له؛ ليراني، فمل يزَلْ يُرَدِّدُ بصره، حتى رأى أبا عبيدةَ بنَ الجَرَّاحِ، فدعاه، فقال : اخرج معهم واقض بينهم بالحقِّ فيما اختلفُوا فيه، قال عُمرُ : فذهبَ بها أبو عبيدة.