﴿ أَفَرَأَيْتُمُ النار التي تُورُونَ ﴾ [ الواقعة : ٧١ ] ؟، فُثلاثيُّه قاصر، ورباعيه مُتَعَدٍّ، وقال تعالى :﴿ فالموريات قَدْحاً ﴾ [ العاديات : ٢ ]، ويقال أيضاً : وَرَيْتُ بِكَ زِنَادِي، فاستعمل الثلاثي متعدياً، إلا أن المازني زعم أنه لا يُتَجَاوز به هذا الفظ، يعني فلا يُقاس عليه، فيقال : وريت النار مثلاً، إذا تقرر ذلك، فلما كانت التوراة فيها ضياء ونور، يخرج به من الضلال إلى الهدى كما يخرج بالنور من الظلام إلى النور، سُمِّي هذا الكتابُ بالتوراة، ويدل على هذا المعنى قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وَهَارُونَ الفرقان وَضِيَآءً ﴾ [ الأنبياء : ٤٨ ] وهذا قولُ الفراء و [ مذهب ] جمهور الناسِ.
وقال آخرون : بل هي مشتقة من ورَّيتُ في كلامي، من التورية، وهي التعريض، وفي الحديث :« كَانَ إذَا أرادَ سَفَراً وَرَّى بِغَيْرِهِ »، وسميت التوراة بذلك : لأن أكثرها تلويحاتٌ ومعاريضُ، وإلى هذا ذهب المؤرج السَّدُّوسي وجماعة، وفي وزنها ثلاثةُ أقوال :
أحدها - وهو قول الخليل وسيبويه - أن وزنها فَوْعَلَة، وهذا الوزن قد وردت منه ألفاظ نحو الدَّوْخَلَة والقَوْصرة والدَّوْسَرة والصَّوْمَعة، والأصل : وَوْرَيَة - بواوين؛ لأنها إما من وَرِيَ الزَّنْدُ، وإما من وَرَّيْتُ في كلامي، فأبدلت الواو الأولى تاءٌ، وتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فقلب ألفاً فصار اللفظ « توراة » - كما ترى - وكُتِبَت بالياء، تنبيهاً على الأصل، كما أميلت لذلك، وقد أبدلت العرب التاء من الواو في ألفاظ نحو تَوْلَج، وتَيْقُور، وتُخَمَة، وتُراث وتُكأة وتُجَاه وتُكْلاَن، من الوُلُوج والوَقَار والوَخَامة والوِرَاثة والوكَاء والوَجْه والوكَالة، ونظير إبدال الواو تاء في التوراة إبدالها أيضاً من قولهم - لما تراه المرأة في الطُّهْرِ بعد الحيض- : التَّرِيَّة، هي فعيلة من لفظ الوراء؛ لأنها تُرَى بعد الصُّفرة والكُدْرة.
الثاني : وهو قول الفراء : أن وزنها تَفْعِلَة - بكسر العين - فأبدلت الكسرة فتحة، وهي لغة طائية، يقولون في الناصية : نَاصَاة، وفي جارية : جَارَاة، وفي نَاجِيَة : نَاجَاة، قال الشاعِرُ :[ الطويل ]
١٣١٨ -.................... | فَخَرَّتْ كَنَاصَاةِ الْحُصَانِ الْمُشَهَّرِ |
١٣١٩ -................... | نُفُوساً بُنَتْ عَلَى الْكَرَمِ |
١٣٢٠ - فَمَا الدُّنْيَا بِبَاقَاةٍ لِحَيٍّ | وَمَا حَيٌّ عَلَى الدُّنْيَا بِبَاقِ |
أحدهما : أن هذا البناء قليل جدًّا - أعني بناء تفعلة - بخلاف فَوْعَلَة، فإنه كثير، فالحمل على الأكثر أولى.
الثاني : أنه يلزم منه زيادة التاء أولاً، والتاء لم تُزَد - أوَّلاً - إلا في مواضع ليس هذا منها، بخلاف قلبها في أول الكلمة، فإنه ثابت، وذلك أن الواو إذا وقعت أولاً قُلبت إما همزة نحو أجُوه وأُقِّتَتْ وإشَاح - في : وجوه ووُقِّتَتْ ووِشَاح - وإما تاء نحو : تُجَاه وتُخْمَة، فاتباع ما عُهِد أولى من اتباع ما لم يُعْهَد.