قوله :﴿ هُوَ الذي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرحام ﴾ تحتمل هذه الجملة أن تكون مستأنفةً سيقت لمجرد الإخبار بذلك، وأن تكون في محل رفع خبراً ثانياً لإنَّ.
قوله :﴿ فِي الأرحام ﴾ يجوز أن يتعلق ب « يُصَوِّرُكُمْ » وهو الظاهر، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من مفعول « يُصَرِّرُكُمْ » أي : يصوركم وأنتم في الأرحام مُضَغٌ.
وقرأ طاوسُ : تَصَوَّرَكُمْ - فعلاً ماضياً - ومعناه : صوركم لنفسه، ولتعبدوه، وتَفَعَّل يأتي بمعنى فَعَّل، كقولهم : تأثلث مالاً، وأثَّلته، أي : جعلته أثلة أي : أصلاً، والتصوير : تفعيل من صاره، يصوره، أي : أماله وثناه، ومعنى صوره : جعل له صورة مائلة إلى شكل أبويه.
والصورة : الهيئة يكون عليها الشيء من تأليف خاص، وتركيب منضبط، قاله الواحدي وغيره.
والأرحام : جمع رحم، وأصلها الرحمة، وذلك لأن الاشتراك في الرحم يوجب الرحمة، والعطف، فلهذا سُمِّيَ العُضْوُ رَحِماً.
قوله :﴿ كَيْفَ يَشَآءُ ﴾ في أوجه :
أظهرُها : أنَّ « كَيْفَ » للجزاء، وقد جُوزِيَ بها في لسانهم في قولهم : كيف تَصْنَعُ أصنع، وكيف تكونُ أكونُ، إلا أنه لا يُجْزَمُ بهما، وجوابها محذوف؛ لدلالة ما قبلها عليه، وكذلك مفعول « يشاء » لما تقدم أنه لا يُذْكَر إلا لغرابة والتقدير : كيف يشاء تصويركم يصوركم، فحذف تصويركم؛ لأنه مفعول « يَشَاءُ » ويصوركم؛ لدلالة « يُصَوِّرُكُمْ » الأول عليه، ونظيره قولهم : أنت ظكالم إن فعلتَ، تقديره : أنت ظالم إن فعلتَ فأنتَ ظالمٌ.
وعند مَنْ يُجيز تقديمَ الجزاء في الشرط الصريح يجعل « يُصَوِّرُكُمْ » المتقدم هو الجزاء، و « كَيْفَ » منصوب على الحال بالفعل بعده، والمعنى : على أي حالٍ شاء أن يصوركم صوركم، وتقدم الكلام على ذلك في قوله « كيف تكفرون » ولا جائز أن يكون « كَيْفَ » معمولة « يُصَوِّرُكُمْ » ؛ لأن لها صدرَ الكلام، وما له صدر الكلام لا يعمل فيه إلا أحدُ شيئين : إما حرف الجر نحو بمن تمر؟ وإما المضاف نحو غلامُ مَنْ عندَك؟
الثاني : أن يكون « كَيْفَ » ظرفاً ل « يَشَاءُ » والجملة في محل نصب على الحال من ضمير اسم الله تعالى، تقديره : يصوركم على مشيئته، أي : مُريداً.
الثالث : كذلك إلا أنه حال من مفعول « يُصَوِّرُكُمْ » تقديره : يصوركم متقلبين على مشيئته.
ذكر الوجهين أبو البقاء، ولما ذكر غيره كونها حالاً من ضمير اسم الله تعالى قدرها بقوله : يصوركم في الأرحام قادراً على تصويركم مالكاً ذلك.
الرابع : أن تكون الجملة في موضع المصدر، المعنى : يصوركم في الأرحام تصوير المشيئة كما يشاء قاله الحوفي، وفي قوله : الجملة في موضع المصدر تسامح؛ لأن الجمل لا تقوم مقام المصادر، ومراده أن « كَيْفَ » دالة على ذلك، ولكن لما كانت في ضِمْن الجملة نسب ذلك إلى الجملة.