أي أحدهما شامت، وآخر مُثنٍ، ومثله في القطع قول الآخر :[ البسيط ]

١٣٥٣ - حَتَّى إذَا مَا اسْتَقَلَّ النَّجْمُ فِي غَلَسٍ وَغُودِرَ البَقْلُ مَلْوِيٌّ وَمَحْصُودُ
أي : بعضه مَلْويٌّ، وبَعْضُه مَحْصُود.
قال أبو البقاء : فإن قلتَ : إذا قدرت في الأولى إحداهما مبتدأ كان القياس أن يكون والأخرى أي الفئة الأخر كافرة.
قيل : لمَّا عُلِم أن التفريقَ هنا لنفس الشيء المقدم ذكره كان التعريفُ والتنكيرُ واحداً، ومثل الآية الكريمة في هذا السؤال وجوابه البيت المتقدِّم : شامت، وآخر مُثْنٍ، فجاء به نكرة دون ال.
الثالث : أن يرتفع على الابتداء، وخبره مُضْمَر، تقديره : منهما فئةٌ تقاتل، وكذا في البيت، أي : منهم شامت، ومنهم مثنٍ.
ومثله قول النابغةِ :[ الطويل ]
١٣٥٤ - تَوهَّمْتُ آيَاتٍ لهَا فَعَرَفْتُهَا لِستَّةِ أعْوَامٍ، وَذَا الْعَامُ سَابِعُ
رَمَادٌ كَكُحْلِ الْعَيْن لأياً أبِينُهُ نُؤيٌ كجذمِ الْحَوْضِ أثْلَمُ خَاشِعُ
تقديره : منهنَّ - أي من الآيات - رمادٌ، ومنهن نُؤيٌ ويحتمل البيت أن يكون - كما تقدم - من تقدير مبتدأ، ورماد خبره، كما تقدم في نظيره.
وقرأ الحسنُ ومجاهدٌ وحُمَيدٌ :﴿ فِئَةٌ تُقَاتِلُ ﴾ بالجر على البدل من فِئَتَيْنِ «، ويُسَمَّى هذا البدل بدلاً تفصيلياً كقول كُثَيِّر عَزَّةَ :[ الطويل ]
١٣٥٥ - وَكُنْتُ كَذِي رِجْلَيْن رِجْلٍ صَحِيحَةٍ وَرِجْلٍ رَمَى فِيْهَا الزَّمَانُ فَشَلَّتِ
هو بدل بعض من كل، وإذا كان كذلك فلا بد من ضمير يعود على المبدل منه، تقديره : فئةٍ منهما.
وقرأ ابن السَّمَيْفَع، وابن أبي عَبْلَة »
فِئَةٌ « بالنصب، وفيه أربعة أوجهٍ :
أحدها : النصب بإضمار أعني.
والثاني : النصب على المَدْح، وتحرير هذا القول أن يقال على المدح في الأول وعلى الذم في الثاني، كأنه قيل : أمدح فئةٌ تقاتل في سبيل الله، وأذمُّ أخرى كافرةً.
والثالث : أن ينتصب على الاختصاص، جوَّزَه الزمخشريُّ.
قال أبو حيّان :»
وليس بجيد؛ لأن المنصوبَ لا يكون نكرةٌ ولا مُبْهَماً «.
قال شهابُ الدينِ : لا يعني الزمخشريُّ الاختصاصَ المبوَّبَ له في النحو نحو :»
نَحْنُ - مَعَاشِرَ الأنبياءِ - لا نُورَثُ «، إنما على النصب بإضمار فعلٍ لائقٍ، وأهل البيان يُسَمُّونَ هذا النحوَ اختصاصاً.
الرابع : أن ينتصب »
فِئَةٌ « على الحال من فاعل » الْتَقَتَا «، كأنه قيل : التقتا مؤمنةً وكافرةً، فعلى هذا يكون » فئة « و » أخرى « توطئةً للحال؛ لأن المقصود ذكر وَصْفَيْهما، وهذا كقولهم : زيد رجلاً صالحاً، ومثله في باب الإخبار - ﴿ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴾ [ الأعراف : ٨١ ]، ونحوه. قوله :﴿ وأخرى كَافِرَةٌ ﴾ » أخْرَى « صفة لموصوف محذوف، تقديره : وفِئَةٌ أخْرَى كَافِرَةٌ وقرئت » كافرة « بالرفع والجر على حسب القراءتين المذكورتين في » فِئَةٌ تُقَاتِلُ «، وهذه منسوقة عليها.
وكان من حق من قرأ »
فِئَةٌ « - بالنصب - أن يقرأ » وأخْرَى كَافِرَةٌ « بالنصب عطفاً على الأولى، وفي عبارة الزَّمخشريِّ ما يوهم القراءة به؛ فإنه قال :» وقرئ « فِئَةٍ تقاتلُ » « وأخرى كافرةٍ » بالجر على البدل من « فئتين »، والنصب على الاختصاص أو الحال « فظاهر قوله : و » بالنصب « أي في جميع ما تقدم وهو فئةً تقاتلُ أخرى كافرةً وقد تقدم سؤال أبي البقاء، وهو لو لم يقل : والأخرى بالتعريف أعني حال رفع فئة تقاتل على خبر ابتداء مضمر تقديره إحداهما، والجواب عنه.


الصفحة التالية
Icon