الثالث : أنه منصوب بإضمار « أعني »، وهو نظير الوجه الصائر إلى رفعه على خبر ابتداء مضمر.
قوله :« تَجْرِي » صفة لِ « جَنَّات »، فهو في محل رفع، أو نصب، أو جر - على حسب القراءتين، والتخاريج فيهما - و « مِنْ تَحْتِهَا » متعلق ب « تَجْرِي » وجوز فيه أبو البقاء أن يتعلق بمحذوفٍ على أنه حال من « الأنهار » قال : أي : تجري الأنهار كائنةً تحتها، وهذا يشبه تهيئة العامل للعمل في شيء وقطعه عنه.
قوله :﴿ خَالِدِينَ ﴾ حال، وصاحبها الضمير المستكن في « لِلَّذِينَ » والعامل فيها - حينئذ - الاستقرار المقدَّر.
وقال أبو البقاء :« إن شئت من الهاء في : تَحْتِهَا »، وهذا الذي ذكره - إنما يتمشى على مذهب الكوفيين، وذلك أن جعلها حالاً من الهاء في تحتها يؤدي إلى جريان الصفة على غير من هي له في المعنى؛ لأن الخلود من أوصاف الجنة ولذلك جمع هذه الحال جمع العقلاءِ، فكان ينبغي أن يُؤتَى بضمير مرفوع بارز، هو الذي كان مستتراً في الصفة نحو : زيد هند ضاربها هو، والكوفيون يقولون : إن أمِنَ اللبس - كهذا - لم يجب بروز الضمير، وإلا يجب، والبصريون لا يفرقون. وتقدم البحث في ذلك.
قوله :﴿ وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ ﴾ « من رفع » جَنَّاتٌ « - كما هو المشهور - كان عطف » أزْواجٌ « و » رِضْوانٌ « سَهْلاً، ومَنْ كَسَر التاء فيجب - حينئذ - على قراءته أن يكون مرفوعاً على أنه مبتدأ خبره مضمر، تقديره : ولهم أزواجٌ، ولهم رضوان، وتقدم الكلام على » أزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ « في البقرة.

فصل


اعلم أن النعمة - وإن عَظُمَت - لن تكمل إلا بالأزواج اللواتي لا يحصل الأنْس إلاَّ بِهِنَّ وقد وصفهن بصفة واحدةٍ جامعةٍ لكل مطلوب، فقال :»
مُطَهَّرَةٌ « فيدخل في ذلك الطهارة من الحيض والنفاس والأخلاق الدنيئة، والقُبْح، وتشويه الخِلْقة، وسوء العِشرة، وسائر ما ينفر عنه الطبع.
قوله :»
وَرِضْوَان « فيه لغتان :
ضم الراء، وهي لغة تميم وقيس، وبها قرأ عاصم في جميع القرآن إلا في الثانية من سورة المائدة وهي ﴿ مَنِ اتبع رِضْوَانَه ﴾ [ المائدة : ١٦ ]، فبعضهم نقل عنه الجَزْم بكسرها، وبعضهم نقل عنه الخلافَ فيها خاصة.
والكسر، وهو لغة الحجاز، وبها قرأ الباقون - وهل هما بمعنى واحد، أو بَينهما فرقٌ؟
قولان :
أحدهما : أنهما مصدران بمعنى واحد - كالعُدْوان.
قال الفرّاء :»
رَضِيتُ رِضاً، ورِضْوَاناً ورُضْواناً، ومثل الرِّضْوَان - بالكسر - الحِرْمان، وبالضم الطُّغْيَان، والرُّجحان، والكُفْران، والشُّكْران «.
الثاني : أن المكسور اسم، ومنه رِضوان : خازن الجنة صلّى الله على نبينا وعلى أنبيائه وملائكته.


الصفحة التالية
Icon