وقرأ ابن عباس « إنَّهُ » - بكسر الهمزة - وفيها تخريجان :
أحدهما : إجراء « شَهِدَ » مُجْرَى القولن لأنه بمعناه، وكذا وقع في التفسير : شهد الله اي : قال الله، ويؤيدَه ما نقله المؤرِّجُ من أن « شَهِد » بمعنى « قال » لغة قيس بن عيلان.
الثاني : أنها جملة اعتراض - بين العامل - وهو شَهِد - وبين معموله - وهو قوله : إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلاَمُ «، وجاز ذلك لِما في هذه الجملةِ من التأكيد، وتقوية المعنى وهذا إنما يتجه على قراءة فتح » أنَّ « من » أنَّ الدِّينَ «، وأما على قراءة الكسر فلا يجوز، فتعيَّنَ الوجهُ الأول.
والضمير في » أنَّهُ « يحتمل العود على الباري؛ لتقدم ذكره، ويحتمل أن يكون ضميرَ الأمر، ويؤيِّدُ ذلك قراءةُ عبد الله :﴿ شَهِدَ الله أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾ ف » أنْ « مخفَّفة في هذه القراءة، والمخففة لا تعمل إلا في ضمير الشأن - ويُحْذَف حينئذ - ولا تعمل في غيره إلا ضرورة [ وأدغم أبو عمرو بخلاف عنه واو هُوَ في واو النسق بعدها، وقد تقدم تحقيق هذه المسألة عند قوله :» هُوَ وَالَّذِينَ ىمَنُوا مَعَه « ].
فصل
قال سعيدُ بنُ جُبَيْر : كان حَوْلَ البيت ثلاثمائةٍ وستون صَنَماً، فلما نزلت هذه الآية خَرَرْنَ سُجَّداً.
وقيل : نزلت هذه الآية في نصارى نجران.
وقال الكلبيُّ : قدم حَبْران من أحبار الشام على النبي ﷺ فلما أبْصَرَ المدينةَ قال أحدهما : ما أشبه هذه المدينةَ بصفة مدينةِ النبيّ الذي يخرج في آخر الزمان؟ فلما دخَلاَ عليه عرفاه بالصفة، فقالا له : أنت محمد؟ قال : نعم، قالا : وأنت أحمد؟ قال : أنا محمد وأحمد، قال : فإنا نسألك عن شيء، فإن أخبرتنا به آمَنَّا بك، وصدقناك، فقال : سَلاَ، فقالا : أخبرنا عَنْ أعظم شهادة في كتاب الله تعالى، فأنزل الله هذه الآيةَ، فأسلم الرجلان.
فصل
قال بعض المفسرين : شهد الله، أي : قال.
وقيل : بَيَّن الله؛ لأن الشهادة تبيين.
وقال مجاهد : حَكَم الله.
وقيل : أعْلَمَ الله أنه لا إله إلا هو.
فإن قيل : المدَّعِي للوحدانية هو الله - تعالى - فكيف يكون المدَّعِي شاهداً؟
فالجوابُ من وجوهٍ :
أحدها : ما تقدم من أن » شَهِدَ « بمعنى » قال « أو » بَيَّن « أو » حَكَم «.
الثاني : أن الشاهدَ الحقيقي ليس إلا الله - تعالى -؛ لأنه الذي خلق الأشياءَ، وجعلها دلائلَ على توحيده، فلولا تلك الدلائلُ لم يتوصل أحد إلى معرفته بالوحدانيةِ، فهو - تعالى وفقهم، حتى أرشدهم إلى معرفة التوحيد، وإذا كان كذلك كان الشاهد على الوحدانيةِ هو الله تعالى، ولهذا قال :