وبعضم جعله حالاً من الجميع على اعتبار كل واحدٍ قائماً بالقسط، وهذا مناقض لما قاله الزمخشري من أن الحال مختصة بالله - تعالى - دون ما عُطِف عليه، وهذا المذهب مردود بأنه لو جاز ذلك لجاز : جاء القوم راكباً، أي : كل واحد منهم « راكباً » والعربُ لا تقول ذلك ألبتة ففسد هذا، فهذه ثلاثة أوجهٍ في صاحب الحال.
الوجه الثاني من أوجه نصب قائماً : نصبه على النعت للمنفي ب « لا » كأنه قيل : لا إله قائماً بالقسط إلا هو.
قال الزمخشريُّ :« فإن قلتَ : هل يجوز أن يكون صفةً للمنفي، كأنه قيل : لا إله قائماً بالقسط إلاَّ هو؟
قلتُ : لا يَبْعد؛ فقد رأيناهم يتسعون في الفصل بين الصفة والموصوف » ثم قال :« وهو أوجه من انتصابه عن فاعل » شَهِدَ «، وكذلك انتصابه على المدح ».
قال أبو حيّان « :» وكأن الزمخشريَّ قد مثل في الفصل بين الصفة والموصوف بقوله : لا رجل إلا عبد الله شجاعاً، ... وهذا الذي ذكره لا يجوز؛ لأنه فصل بين الصفة والموصوف بأجنبي وهو المعطوفان اللذان هما ﴿ والملائكة وَأُوْلُواْ العلم ﴾، وليسا معمولَيْن لشيءٍ من جملة ﴿ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾، بل هما معمولان ل « شَهِدَ »، وهو نظير : عرف زيدٌ أنَّ هِنْداً خَارِجَةٌ وعمرو وجَعْفَرٌ التميميَّةَ، فيفصل بين « هند » و « التميمية » بأجنبي ليس داخلاً في خبر ما عمل فيها، وذلك الأجنبي هو « عمرو وجعفر » المرفوعان المعطوفان ب « عرف » - على زيد، وأما المثال الذي مَثَّل به، وهو : لا رجل إلا عبد الله شجاعاً، فليس نظير تخريجه في الآية؛ لأن قولك : إلا عبد الله، بدل على الموضع من « لا رجل »، فهو تابع على الموضع، فليس بأجنبي على أنَّ في جواز هذا التركيب نظراً؛ لأنه بدل، و « شجاعاً » وصف، والقاعدة : أنه إذا اجتمع البدل والوصف قُدِّم الوصف على البدل، وسبب ذلك أنه على نية تكرار العامل - على الصحيح - فصار من جملة أخْرَى على هذا المذهب «.