قرأ الكسائي بفتح الهمزة، والباقون بكسرها، فأما قراءة الجماعةِ فعلى الاستئناف، وهي مؤكِّدة للجملة الأولى.
قال الزمخشريُّ :« فإن قلتَ : ما فائدة هذا التوكيد؟ قلت : فائدته أن قوله :﴿ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾ توحيد، وقوله :» قائِماً بِالقِسْط « تعديلٌ، فإذا أردفه بقوله :﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام ﴾ فقد آذَن أن الإسلام هو العدل والتوحيد، وهو الدين عند الله، وما عداه فليس في شيء من الدين عنده ».
وأما قراءة الكسائي ففيها أوجه :
أحدها : أنها بدل من ﴿ أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾ - على قراءة الجمهورِ - في أن ﴿ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾ فيها وجهان :
أحدهما : أنه من بدل الشيء من الشيء، وذلك أن الدين - الذي هو الإسلام - يتضمن العدلَ، والتوحيد، وهو هو في المعنى.
والثاني : أنه بدل اشتمال؛ لأن الإسلام يشتمل على التوحيدِ والعدلِ.
والثاني من الأوْجُهِ السابقةِ : أن يكون « إنَّ الدِّينَ » بدلاً من قوله « بِالْقِسْطِ » ثم لك اعتباران :
أحدهما : أن تجعله بدلاً من لفظه، فيكون محل « إنَّ الدِّينَ » الجر.
والثاني : أن تجعلَه بدلاً من موضعه، فيكون محلها نصباً، وهذا - الثاني - لا حاجة إليه - وإن كان أبو البقاء ذَكَرَه.
وإنما صحَّ البدلُ في المعنى؛ لأن الدين - الذي هو الإسلامُ - قِسْط وعَدْل، فيكون - أيضاً - من بدل الشيء من الشيء - وهما لعينٍ واحدة-.
ويجوز أن يكون بدل اشتمال؛ لأن الدين مشتمل على القسط - وهو العدل - وهذه التخاريج لأبي علي الفارسي، وتبعه الزمخشريُّ في بعضها.
قال أبو حيّان :« وهو _ أبو علي - معتزليّ، فلذلك يشتمل كلامُه على لفظ المعتزلة من التوحيد والعدل، وعلى البدل من أنه خرجه هو وغيره، وليس بجيد؛ لأنه يؤدي إلى تركيب بعيد أن يأتي في كلام العرب وهو : عَرَفَ زَيْدٌ أنَّهُ لاَ شُجَاعَ إلاَّ هُوَ وَبَنُو تَمِيمٍ وَبَنُ دَارِمٍ مُلاَقِياً لِلْحُرُوبِ، لاَ شُجَاعَ إلاَّ هُوَ الْبَطَلُ الْحَامِي، إنَّ الخصلةَ الحميدةَ هي البسالةُ، وتقريب هذا المثال : ضرب زيدٌ عائشة، والعُمرانِ حَنِقاً أختك، فحَنقاً، حال من » زيد « و » أختك « بدل من » عائشة « ففصل بين البدل والمبدل منه بالعطف - وهذا لا يجوز - والحال لغير المبدل منه - وهو لا يجوز -؛ لأنه فصل بأجنبي بين البدل والمبدل منه ».
قوله عرف زيد هو نظير « شَهِدَ اللهُ »، وقوله : أنه لا شجاع إلا هو نظير ﴿ أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾ وقوله : وبنو دارم نظير قوله :« وَالْمَلاَئِكَةُ » وقوله : ملاقياً للحروب نظير قوله :« قَائِماً بِالْقِسْطِ » وقوله : لا شجاع إلا هو نظير قوله :﴿ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾ فجاء به مكرَّراً - كما في الآية - وقوله : البطل الحامي نظير قوله « الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » وقوله : إن الخصلةَ الحميدةَ هي البسالةُ نظير قوله :﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام ﴾.


الصفحة التالية
Icon