وهو كلام مُشْكِلٌ في نفسه، ومعنى قوله على الشرط، أي : العلة، سمَّى العلةَ شرطاً؛ لأن المشروطَ متوقفٌ عليه كتوقف المعلول على علتع، فهو علة، إلا أنه خلاف اصطلاح النحويين.
ثم اعترض الواحدي على هذا التخريج بأنه لو كان كذلك لم يَحْسُن إعادة اسم « الله »، ولكان التركيب : إن الدين عنده الإسلام؛ لأن الاسم قد سَبَق، فالوجه الكناية.
ثم أجاب بأن العربَ رُبَّما أعادت الاسم موضعَ الكناية، وأنشد :[ الخفيف ]

١٣٧٢- لاَ أرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيءٌ نَغَّصَ الْمَوْتُ ذَا الْغِنَى وَالفقِيرَا
يعني أنه من باب إيقاع الظاهر موقع المضمر، ويزيده - هنا - حُسْناً أنه في موضع تعظيم وتفخيم.
الخامس : أن تكون على حذف حرف الجر معمولة للفظ « الْحَكِيم »، كأنه قيل : الحكيم بأن، أي : الحاكم بأن ف « حَكِيم » مثال مبالغة، مُحَوَّل من فاعل، فهو كالعليم والخبير والبصير، أي : المبالغ في هذه الأوصاف، وإنما عَدَل عن لفظ « حاكم » إلى « حكيم » - مع زيادة المبالغة-؛ لموافقة « الْعَزِيز »، ومعنى المبالغة : تكرار حكمهِ - بالنسبة إلى الشرائع - أن الدينَ عند الله الإسلام؛ إذْ حَكَم في كلّ شريعة بذلك، قاله أبو حيّان، ثم قال : فإن قلتَ : لم حَمَلْتَ « الْحَكِيم » على أنه مُحوَّل من « فاعل » إلى فعيل؛ للمبالغة، وهَلاَّ جعلته « فَعِيلا »، بمعنى « مُفْعِل » فيكون معناه « الْمُحكِم » كما قالوا في « أليم » : إنه بمعنى « مُؤْلِم » وفي « سميع » من قول الشاعر :[ الوافر ]
١٣٧٣- أمِنْ رَيْحَانَة الدَّاعي السَّمِيع ............................
أي : المُسْمِع؟
فالجوابُ : أنا لا نسلم أن « فَعِيلا » يأتي بمعنى « مفعل »، وقد يؤول « أليم » و « سميع » على غير « مفعل »، ولئن سلمنا ذلك، فهو من الندور والشذوذ، بحيث لا يَنْقاس، [ وأما ] « فعيل » محوَّل من « فاعل » ؛ للمبالغة فهو منقاس؛ كثير جداً، خارج عن الحصر، كعليم، وسميع، وقدير، وخبير، وحفيظ إلى ألفاظ لا تُحْصَى كَثْرَةً، وأيضاً فإن العربيَّ الْقُحَّ، الباقي على سجيته لم يفهم من « حكيم » إلا أنه محوَّل من « فاعل » ؛ للمبالغة، ألا ترى أنه لما سمع قارئاً يقرأ ﴿ والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ الله ﴾ [ المائدة : ٣٨ ] والله غفور رحيم أنكر أن تكون فاصلة هذا التركيب السابق ﴿ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾، فقيل له : التلاوة :﴿ والله عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾، فقال : هكذا يكون، عَزَّ فَحَكَم فقط، ففَهِم من « حكيم » أنه محوَّل - للمبالغة - من « حاكم »، وفَهْم هذا العربيِّ حُجَّةٌ قاطعةٌ بما قلناه، وهذا تخريج سَهْل، سائغ جداً، يزيل تلك التكلفات والتركيبات التي يُنزّه كتابُ الله عنها، وأما على قراءة ابن عباس فكذلك نقول، ولا نجعل ﴿ إِنَّ الدِّينَ ﴾ معمولاً لِ « شَهِدَ » - كما فهموا - وأن ﴿ أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ ﴾ اعتراض - يعني بين الحال وصاحبها، وبين معموله - بل نقول : معمول « شَهِدَ » هو « إنَّهُ » - بالكسر - على تخريج من خرج أن « شَهِدَ » - لما كان بمعنى القول - كسر ما بعده؛ إجراءً له مُجْرَى القول.


الصفحة التالية
Icon