قال شهاب الدين : قد جوز في « ليت » وفي « كأن » أن تعمل في الحال.
قالوا : لما تضمنته هذه الأحرف من معنى التمني والتشبيه، ف « إن » للتأكيد، فلْتَعْمَل في الحال - أيضاً - فليست تتباعد عن « الهاء » التي للتنبيه.
قيل : هي أولى منها، وذلك أنها عاملة، و « هاء » ليست بعاملة، فهي أقرب لشبه الفعل من هاء.

فصل


الدين - في أصل اللغة - عبارة عن الانقياد والطاعة والتسليم والمتابعة، قال تعالى :﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ ألقى إِلَيْكُمُ السلام لَسْتَ مُؤْمِناً ﴾ [ النساء : ٩٤ ]، أي : لمن صار منقاداً لكم، ومتابعاً، والإسلام هو الدخول في السلم، يقال : أسلم، أي : دخل في السلم، كقولهم : أشتى، وأقحط، وأصل السِّلم : السلامة، وقال ابن الأنباري :« المُسْلِم » معناه المخلص لله عبادته، من قولهم : سَلِم الشيء لفلان، أي : خَلصَ، فالإسلام معناه : إخلاص الدين والعقيدة لله تعالى «.
وأما في عرف الشرع فالإسلام هو الإيمان؛ لوجهين :
أحدهما : هذه الآية؛ لأن قوله :﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام ﴾ يقتضي أن الدين المقبول عند الله ليس إلا الإسلام، فلو كان الإيمانُ غيرَ الإسلام وجب أن لا يكون الإيمان ديناً مقبولاً عند الله - وهو باطل-.
الثاني : قوله تعالى :﴿ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾ [ آل عمران : ٨٥ ] فلو كان الإيمانُ غيرَ الإسلام لوجب أن لا يكون مقبولاً عند الله تعالى.
قال القرطبيُّ : الإسلام هو الإيمان، بمعنى التداخل، وهو أن يُطْلَق أحدهما ويُراد به مسماه في الأصل ومُسمَّى الآخر، كما في هذه الآية؛ إذ قد دخل فيهما التصديق والأعمال، ومنه قوله - عليه السلام- :»
الإيمانَ مَعْرِفةٌ بالْقَلْبِ، وقَوْلٌ باللِّسَان، وعَمَلٌ بالأرْكَانِ « أخرجه ابن ماجه.
فإن قيل : قوله تعالى :﴿ قَالَتِ الأعراب آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ ولكن قولوا أَسْلَمْنَا ﴾ [ الحجرات : ١٤ ] صريح في أن الإسلام غير الإيمان.
فالجواب : أن الإسلام عبارة عن انقياد - كما بينَّا في أصل اللغة - والمنافقون انقادوا في الظاهر من خوف السيف - فلا جرم - كان الإسلام حاصلاً في الظاهر، والإيمان - أيضاً - كان حاصلاً في حكم الظاهر؛ لأنه - تعالى - قال :﴿ وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ] والإيمان الذي يُبيح النكاحَ في الحكم - هو الإقرار الظاهر، فعلى هذا، الإسلام والإيمان تارةً يُعتبران في الظاهر دون الباطن، وتارة في الباطن والظاهر، فالأول هو النفاق، وهو المراد بقوله :»
قَالَتِ الأعْرَابُ « ؛ لأن باطن المنافق غير منقاد لدين الله تعالى، فكان تقدير الآية : لم تسلموا في القلب والباطن، ولكن قولوا : أسلمْنا في الظاهر.

فصل


قال قتادة - في قوله تعالى- :﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ الله الإسلام ﴾، شهادة ألا إله إلا الله، والإقرار بما جاء من عند الله، وهو دين الله الذي شرع لنفسه، وبعث به رُسُلَه وَدَلَّ عليه أولياءه، لا يقبلُ غيرَه، ولا يَجْزِي إلا به.


الصفحة التالية
Icon