وقال الأخفش : في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب؛ بغياً بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم.
وقال ابن عمر وغيره : أخبر - تعالى - عن ] اختلاف أهل الكتاب أنه كان على علم منهم بالحقائقِ، وأنه كان بغياً وطلباً للدنيا.
وفي الكلام تقديم وتأخير، فالمعنى : وما اختلف الذين أوتوا الكتاب بغياً بينهم إلا من بعد ما جاءهم العلم.
قوله :« بَغْياً » فيه أوجه :
أحدها : أنه مفعول من أجله، العامل فيه « اخْتَلَفَ » والاستثناء مُفَرَّغ، و التقدير : وما اختلفوا إلا للبغي لا لغيره، قاله الأخفش، ورجحه أبو علي.
الثاني : أنه مصدر في محل نصب على الحال من « الذين » كأنه قيل : ما اختلفوا إلا في هذه الحال، والاستثناء مُفَرَّغ أيضاً.
الثالث : أنه منصوب على المصدر، والعامل فيه مقدَّر، كأنه لما قيل :﴿ وَمَا اخْتَلَفَ ﴾ دل على معنى : وما بغى، فهو مصدر، قاله الزّجّاجُ، ووقع بعد « إلا » مستثنيان، وهما :« مِنْ بَعْدِ » و « بَغْياً » وقد تقدم تخريج ذلك.
قال الأخفش : قوله :« بَغْياً » من صلة قوله :« اخْتَلَفُوا »، والمعنى : وما اختلفوا بغياً بينهم إنما اختلفوا للبغي.
قال القفّالُ : وهذا أجودُ من الأول؛ لأن الأولَ يُوهِمُ أنَّ اختلافَهم بسبب مجيء العلم، والثاني يفيد أن اختلافهم لأجل الحَسَدِ والبغي.
قوله :﴿ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ الله ﴾ « مَنْ » مبتدأ، وفي خبره الأقوال الثلاثة - أعني : فعل الشرط وحده، أو الجواب وحده، أو كلاهما - وعلى القول بكونه الجواب وحده لا بد من ضمير مقدَّر، أي : سريع الحساب له.
فصل
وهذا تهديد، وفيه وجهان :
الأول : المعنى : فإنه سيصير إلى الله تعالى سريعاً، فيحاسبه، أي : يُجازيه على كُفْره.
الثاني : أن الله تعالى سيُعْلِمه بأعماله معاصيه وأنواع كفره، بإحصاء سريع، مع كَثْرَةِ الأعمال.