وقد أثبت الياءَ في « مَنِ اتَّبَعَنِي » نافع، وحذفها أبو عمرو وخلاد - وقفاً - والباقون حذفُوهَا فيهما؛ موافقةً للرسم، وحسن ذلك أيضاً كونها فاصلةً ورأس آية، نحو ﴿ أَكْرَمَنِ ﴾ [ الفجر : ١٥ ] و ﴿ أَهَانَنِ ﴾ [ الفجر : ١٦ ] وعليه قول الأعشى :[ المتقارب ]

١٣٧٤- وَهَلْ يَمْنَعَنِّي أرْتيادِي الْبِلاَ دَ مِنْ حَذَر الْمَوْتِ أنْ يَأتِيَنْ
وقول الأعشى - أيضاً - :[ المتقارب ]
١٣٧٥- وَمَنْ شَانِىءٍ كَاسِفٍ بَالُهُ إذا مَا انْتَسَبْتُ لَهْ أنْكَرَنْ
قال بعضهم : حذف هذه الياء مع نون الوقاية - خاصّة - فإن لم تكن نونٌ فالكثير إثباتُها.
قوله : قال ﴿ وَقُلْ لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الكتاب ﴾ يعني اليهود والنصارى، والمراد بالأميِّيِّين : مشركو العرب، ووصفهم بكونهم أميين؛ لأنهم لم يَدَّعوا كتاباً، شبههم بمن لا يقرأ ولا يكتب، وإما لكونهم ليسوا من أهل الكتابة والقراءة، وإن كان فيهم من يكتب فهو نادر.
قوله :﴿ أَأَسْلَمْتُمْ ﴾ صورته استفهام، ومعناه الأمر، أي : أسلموا، كقوله تعالى :﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ ﴾ [ المائدة : ٩١ ].
قال الزمخشري :« يعني أنه قد أتاكم من البيِّنات ما يوجب الإسلام، ويقتضي حصوله - لا محالة - فهل أسلمتم بعدُ أم أنتم على كفركم؟، وهذا كقولك - لمن لخَّصْتُ له المسألة، ولم تُبْقِ من طُرُق البيان والكشف طريقاً إلاَّ سلكته- : هل فهمتها، أم لا - لا أُمَّ لك - ومنه قوله - تعالى - ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ ﴾ بعد ما ذكر الصوارف عن الخمر والميسر، وفي الاستفهام استقصار، وتعبير بالمعاندة، وقلة الإنصاف؛ لأن المُنْصِفَ - إذا تَجَلَّتْ لَهُ الحجَّةُ - لم يتوقف إذْعانه للحق ».
وقال الزّجّاج :« أأسْلَمْتُم » تهديد.
قال القرطبيُّ :« وهذا حَسَنٌ؛ لأن المعنى : أأسْلَمْتُمْ أمْ لاَ؟ ».
قوله :﴿ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهتدوا ﴾ دخلت « قد » على الماضي؛ مبالغة في تحقُّق وقوعِ الفعل، وكأنه قد قَرُب من الوقوع.
رُوي أن رسول الله ﷺ قرأ هذه الآية، فقال أهل الكتاب : أسْلَمْنَا، فقال لليهود : أتَشَهدُونَ أنّ عِيسَى كَلِمَةُ اللهِ وَعَبْدُهُ، وَرَسُولُهُ؟ فقالوا : معاذَ اللهِ، وقال للنَّصَارَى : أتَشَهدُونَ أنّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؟ فقالوا معاذَ الله أن يكون عيسى عبداً، فقال الله تعالى- :﴿ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ البلاغ ﴾، أي : تبليغ الرسالة، وليس عليك الهداية.
والبلاغ : مصدر « بَلَغَ » - بتخفيف عين الفعل-.
قيل : إنها نُسِخَت بالجهاد. ﴿ والله بَصِيرٌ بالعباد ﴾ عالم بمن يؤمن ومن لا يؤمن، وهذا يفيد الوعد والوعيد.


الصفحة التالية
Icon