القول الرابع : أنَّ الآية دلَّت على أَنَّ الناس كانوا أُمَّةً واحدة، وليس فيها أَنَّهم كانوا على الإيمان، أو على الكُفر، فهو موقوفٌ على الدَّليل.
القول الخامس : أَنَّ المراد ب « النَّاسِ » هنا أهْلُ الكتاب مِمَّن آمَنَ بِمُوسَى - عليه السلام - وذلك لأَنَّا بينا أَنَّ هذه الآية متعلقةٌ بما تقدم من قوله :﴿ ياأيها الذين آمَنُواْ ادخلوا فِي السلم كَآفَّةً ﴾ [ البقرة : ٢٠٨ ] وذكرنا أَنَّ كثيراً من المفسرين زعمُوا أَنْ تلك الآية نزلت في اليهودِ؛ فقوله تعالى :﴿ كَانَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ أي : كان الذين آمنوا بموسى أُمَّةً واحدة على دين واحدٍ، ثم اختلفُوا بسبب البغي، والحسد؛ فبعثَ الله النبيِّين، وهم الذين جاءُوا بعد موسى - عليه السلام - وأنزل معهم الكتاب كما بُعِث الزبور إلى دواد، والإنجيل إلى عيسى، والفرقانُ إلى محمد - ﷺ - لتكون تلك الكتب حاكمةً عليهم في تلك الأشياء التي اختلفوا فيها، وهذا القولُ مطابقٌ لنظم الآية، وموافقٌ لما قبلها وما بعدها، وليس فيه إشكالٌ إلاَّ أَنَّ تخصيص لفظ الناس بقومٍ معينين خلاف الظَّاهر، ويُعتذَرُ عنه بأن األفَ واللاَّمَ كما تكون للاستغراق، فقد تكونُ أيضاً لِلْعَهد.
فصل في بيان لفظة « كان »
قال القرطبيُّ : لفظة « كَانَ » على هذه الأقوال على بابها من المُضِيّ المنقضي، وكل من قدّر الناسَ في الآية مُؤمنين قدّر في الكلام : فاختلفُوا، فبعث اللَّه، ويدُلُّ على هذا الحذف قوله :﴿ وَمَا اختلف فِيهِ إِلاَّ الذين أُوتُوهُ ﴾ وكل مَنْ قَدَّرهم كُفَّاراً كانت بعثهُ النبيين إليهم، ويحتملُ أن تكونَ « كان » لِلثّبُوت، والمرادُ الإخبارُ عن الناس الذين هم الجِنْس كله : أنهم أمةٌ واحدةٌ من خُلُوِّهم عن الشرائع، وجهلهم بالحقائق لولا أَنَّ اللَّهَ تعالى مَنَّ عليهم بالرسُل؛ تفضلاً منه؛ فعلَى هذا لا تختصُّ « كان » بالمُضِيِّ فقط، بل يكونُ مَعناها كقوله تعالى :