وقوله :﴿ نَصِيباً مِّنَ الكتاب ﴾ أي : من علم الكتاب؛ لأنا لو أجريناه على ظاهره، فهم قد أوتوا كل الكتاب، والمراد بذلك العلماء منهم، وهم الذين يُدْعَوْن إلى الكتاب؛ لأن مَنْ لا علمَ له بذلك لا يدعى إليه.
قوله :« يُدْعَوْنَ » في محل نَصْب على الحال من ﴿ الذين أُوتُواْ الكتاب ﴾.
قوله :« إلَى كِتَابِ اللهِ » قال أكثرُ المفسرين : هو التوراة؛ لوجوهٍ :
أحدها : ما ذكرنا في سبب النزول.
ثانيها : أن الآيةَ سِيقت للتعجُّب من تمرُّدِهم وإعْرَاضِهم، والتعجُّب إنما يحصل إذا تَمَرَّدُوا على حكم الكتاب الذي يعتقدون صحته.
ثالثها : أن هذا هو المناسب لما قبل الآية؛ لأنه لما بَيَّن أنه ليس عليه إلا البلاغ وصبَّره على معاندتهم - مع ظهور الحُجَّة عليهم - بيَّن أنهم استعملوا طريقَ المكابرةِ في نفس كتابِهم الذي أقروا بصحته، فستروا ما فيه من الدلائلِ الدالةِ على صحةِ نبوةِ محمدٍ - عليه السلام - فهذا يدل على أنهم في غاية التعصُّب والبُعْدِ عن قبول الحق.
قال ابنُ عباس والحسنُ وقتادةُ : هو القرآن.
روى الضّحاكُ عن ابن عباس - في هذه الآية - أن الله - تعالى - جعل القرآن حَكَماً فيما بينهم وبَيْنَ رسول الله ﷺ فحكم القرآن على اليهود والنصارى أنهم على غير الهُدَى، فأعرضوا عنه، وقال تعالى :﴿ هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق ﴾ [ الجاثية : ٢٩ ]، وقال تعالى :﴿ وَإِذَا دعوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ ﴾ [ النور : ٤٨ ].
فإن قيل : كيف دُعُوا إلى حُكْم كتاب لا يؤمنون به؟
فالجواب : أنه مدعوا إليه بَعْدَ قِيَام الحُجَج الدالَّةِ على أنه كتابٌ من عند الله.
قوله :« ليحكم » متعلق ب « يدعون ». وإضافة الحكم إلى الكتاب مجاز مشهور.
وقرأ الحسن وأبو جعفر والجحدري « لِيُحْكَمَ » - مبنيًّا للمفعول - والقائم مقام الفاعل هو الظرف، أي : ليقع الحكمُ بينهم.
قال الزمخشريُّ : قوله :﴿ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ﴾ يقتضي أن يكون الاختلاف واقعاً فيما بينهم، لا فيما بينهم وبين رسول الله ﷺ.
قوله :﴿ ثُمَّ يتولى ﴾ عطف على « يُدْعَوْنَ » و « مِنْهُمُ » صفة ل « فَرِيقٌ »، وقوله :﴿ وَهُم مُّعْرِضُونَ ﴾ يجوز أن تكون صفةً معطوفة على الصفة قبلها - فتكون الواو عاطفة - وأن تكون في محل نصب على الحال من الضمير المستتر في « مِنْهُمْ » ؛ لوقوعه صفة - فتكون الواو واوَ الحال - ويجوز أن تكون صفةً معطوفة على الصفة قبلها - فتكون الواو عاطفة - وأن تكون في محل نصب على الحال من الضمير المستتر في « مِنْهُمْ » ؛ لوقوعه صفة - فتكون الواو واوَ الحال - ويجوز أن تكون حالاً من « فَرِيقٌ »، وجاز ذلك - وإن كان نكرةً - لتخصيصه بالوصف قبله، وإن كان حالاً فيجوز أن تكون مؤكِّدةً؛ لأن التولِّ ] والإعراض عما دعا إليه.
قال ابنُ الخطيبِ :« فكأن المتولِّيَ والمعرضَ هو ذلك الفريق، والمعنى أنه مُتَوَلِّ عن استماع الحُجَّة في ذلك المقام، ومُعْرِضٌ عن استماع سائر الحُجَج ».
ويحتمل أن تكون هذه الجملة مستأنفة، لا محل لها، أخبر عنهم بذلك، فيكون المتولِّي هم الرؤساء والعلماء، والأتباع مُعرضون عن القبول؛ لأجل تَوَلِّي علمائِهم.


الصفحة التالية
Icon