« إنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطاً؛ فَلْيَتَصَدّق بِدينَار، وإِنْ كَانَ صُفْرَةٌ، فَنِصْفُ دِينَارٍ » وروي موقوفاً على ابن عبَّاس. واتَّفقوا على أنَّ جلّ الاستمتاع فيما فوق السُّرَّة، ودون الرُّكبة [ واختلفوا بأنّه هل يجوز الاستمتاع بها فيما دون السُّرة، وفوق الرُّكبة؟ ] قال ابن الخطيب : إن فسَّرنا المحيض بموضع الحيض، كانت الآية دالّة على تحريم الجماع فقط، فلا يكون فيها دلالة على تحريم غيره، بل نقول : إنّ تخصيص الشَّيءِ بالذّكر يدلُّ على أنَّ الحُكْمَ فيما عداه بخلافه، وإن فسَّرنا المحيض بالمحيض، كان تقدير الآية فاعتزلوا النِّساء في زمان المحيض، وترك العمل بها فيما فوق السُّرَّة ودون الرُّكبة؛ فوجب أن يبقى الباقي على الحرمة.
قوله :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ ﴾، أي : لا تجامعوهنّ.
قال ابن العربيّ : سمعت الشّاشيَّ يقول : إذا قيل « لا تَقْرَب » - بفتح الرَّاء - كان معناه : لا تَتَلَبَّسْ بالفعل، وإذا كان بضمّ الرَّاء كان معناه : لا تَدْنُ منه، وهذا كالتأكيد لقوله تعالى :﴿ فاعتزلوا النسآء فِي المحيض ﴾ فهذا نهيٌ عن المباشرة في موضع الدَّم، وقوله :« وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ » نهي عن الالتذاذ بما يقرب من ذلك الموضع.
« حتّى » هنا بمعنى « إلى » والفعل بعدها منصوب بإضمار أنْ، وهو مبنيٌّ لاتصاله بنون الإناث.
وقرأ حمزة والكسائيُّ، وأبو بكرٍ بتشديد الطَّاء والهاء، والأصل :
يتطهَّرن، فأُدغم.
والباقون :« يَطْهُرْنَ » مضارع طَهُرَ، قالوا : وقراءة التَّشديد معناها يغتسلن، وقراءة التَّخفيف معناها ينقطع دمهنَّ. ورجَّح الطَّبري قراءة التَّشديد وقال :« هي بِمَعْنَى يَغْتَسِلْنَ لإجماع الجميع على تَحْرِيم قُرْبَان الرَّجُل امرأته بعد انقطاع الدَّم حتَّى تطهر، وإ، ما الخلاف في الطهر ما هو؟ هل هو الغسل أو الوضوء، أو غسل الفرج فقط؟ ».
قال ابن عطيَّة :« وكلُّ واحدة من القراءتين تحتمل أن يراد بها الاغتسال بالماء، وأن يراد بها انقطاع الدَّم وزوال أذاه ».
قال :« وَمَا ذَهَبَ إليه الطَّبريُّ مِنْ أنَّ قِرَاءَةَ التَّشْدِيد مُضَمَّنُها الاغتسال، وقراءة التَّخفيف مُضَمَّنُها انْقِطَاعُ الدَّمِ أمرٌ غيرُ لاَزِم، وكذلك ادِّعَاؤهُ الإجماع » وفي رد ابن عطيَّة عليه نظرٌ؛ إذ لو حملنا القراءتين على معنى واحدٍ لزم التِّكرار. ورجَّح الفارسيُّ قراءة التَّخفيف؛ لأنها من الثلاثي المضادِّ لطمث وهو ثلاثي.
فصل في ورود لفظ الطهور في القرآن
قال أبو العبَّاس المقري : ورد لفظ « الطُّهُورِ » في القرآن بإزاء تسعة معانٍ :
الأول : انقطاع الدَّم، قال تعالى :﴿ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حتى يَطْهُرْنَ ﴾ [ البقرة : ٢٢٢ ]، أي : حتى ينقطع الدَّم.
الثاني : الاستنجاء بالماء؛ قال تعالى :﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ ﴾ [ التوبة : ١٠٨ ]، أي : يستنجون بالماء.
الثالث : الاغتسال، قال تعالى :﴿ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ ﴾ [ البقرة : ٢٢٢ ] أي : اغْتَسَلْنَ.
الرابع : التَّنظيف من الأدناس، قال تعالى :