« إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمعَةِ : أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ ».
ومن الثاني قوله تعالى :﴿ والغوا فِيهِ ﴾ [ فصلت : ٢٦ ].
قال الفرَّاء : اللَّغا مصدر للغَيت.
قال أبو العبَّاس المقري : ورد لفظ « اللَّغو » في القرآن على ثلاثة أوجه :
الأول : بمعنى اليمين بغير عقديَّةٍ كهذه الآية.
الثاني : بمعنى الشَّتيمة؛ قال تعالى :﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً ﴾ [ الفرقان : ٧٢ ]، أي : لم يجيبوهم؛ ومثله :﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ ﴾ [ القصص : ٥٥ ].
الثالث : بمعنى الحلف عند شُرْب الخمر؛ قال تعالى :﴿ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا ﴾ [ الطور : ٢٣ ]، أي : لا يحلف بعضهم على بعض.

فصل


والباء في « بِاللَّغْوِ » متعلِّق ب « يؤاخذكم » والباء معناها السَّببيّة، كقوله :﴿ فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ ﴾ [ العنكبوت : ٤٠ ]، ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ ﴾ [ النحل : ٦١ ].
واختلف في اللَّغْوِ : فقيل : ما سبق به اللسانُ مِنْ غيرِ قصدٍ، قاله الفرَّاء، ومنه قول الفرزدق :[ الطويل ]
١٠٩١- وَلَسْتَ بِمَأْخُوذٍ بِلَغْوٍ تَقُولُهُ إِذَا لَمْ تُعَمِّدْ عَاقِدَاتِ العَزَائِمِ
ويُحْكَى أن الحسن سُئِلَ عن اللَّغو وعن المَسبيَّة ذات زوجٍ، فنهض الفرزدق، وقال : أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قُلْتُ، وأَنْشَد البيت :[ الطويل ]
وَلَسْتَ بمَأْخُوذٍ...................... .......................
وقوله :[ الطويل ]
١٠٩٢- وَذَاتِ حَلِيلٍ أَنْكَحَتْهَا رِمَاحُنَا حَلاَلٌ لِمَنْ يَبْنِي بِهَا لَمْ تُطَلِّقِ
فقال الحسن :« ما أَذْكَاكَ لَوْلاَ حِنْثُك »، وقد يُطْلَقُ على كلِّ كلامٍ قبيحٍ « لَغْوٌ ».
قال تعالى :﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ ﴾ [ الفرقان : ٧٢ ]، ﴿ لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً ﴾ [ مريم : ٦٢ ] ؛ وقال العجاج :[ الرجز ]
١٠٩٣- وَرَبِّ أَسْرَابِ حَجِيجٍ كُظَّمِ عِنِ اللَّغَا وَرَفَثَ التَّكَلُّمِ
وقيل : ما يُطرحُ من الكلام؛ استغناءً عنه، مأخوذٌ من قولهم لِما لا يُعْتَدُّ به من أولاد الإِبل في الدِّيَة « لَغْوٌ » ؛ قال جريرٌ :[ الوافر ]
١٠٩٤- وَيَهْلكُ وَسْطَهَا المَرْئيُّ لَغْواً كَمَا أَلْغَيْتَ فِي الدِّيَةِ الحُوَرَا
وقيل :« اللَّغو » السَّاقط الذي لا يُعتدُّ به سواء كان كلاماً أو غيره، فأَمَّا وروده في الكلام؛ فكقوله تعالى :﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ ﴾ [ القصص : ٥٥ ] وقوله :﴿ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً ﴾ [ الواقعة : ٢٥ ]، وقوله :﴿ لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً ﴾ [ فصلت : ٢٦، ﴿ لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً ﴾ [ الغاشية : ١١ ] وقال عليه الصّلاة والسّلام :« إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمعَةِ والإِمَامُ يَخْطُبُ : أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ »
وأما قوله :﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ ﴾ [ الفرقان : ٧٢ ] فيحتمل أن يكون المُرادُ وإذا مَرُّوا بالكلام الَّذي يكون لغواً، وأن يكون المُرادُ : وإذا مَرُّوا بالفعل الَّذِي يكون لغواً، وأَمَّا ورود هذه اللَّفظة في غير الكلام، فكما ورد فيما لا يعتدُّ به من الدِّية في أولاد الإِبل.
وقيل : هو ما لا يُفهم، من قولهم :« لَغَا الطَّائِرُ »، أي : صوَّتَ، واللَّغو، ما لَهجَ به الإنسانُ، واللغةُ مأخوذةٌ من هذا.
وقال الراغب : ولَغِيَ بكذا : أي لَهِجَ به لَهَجَ العُصْفُورِ بِلَغَاهُ، ومنه قيل للكلام الذي تَلْهَجُ به فرقةٌ « لُغَة » ؛ لجعلها مشتقةً من لَغِيَ بكذا، أي : أُولِعَ به، قوال ابن عيسى - وقد ذكر أن اللَّغوَ ما لا يفيدُ - :« ومنه اللغةُ؛ لأنَّها عند غيرِ أهلِها لَغْوٌ »، وقد غَلَّطوه في ذلك.


الصفحة التالية
Icon