« مَنْ حَلَفَ فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ ».
وقال الشَّافعيّ في « الجَدِيدِ » - وهو قول أبي حنيفة ومالك وجماعة - إنه يكُون مُؤْلِياً؛ لأن لفظ الإيلاءِ يَتَناوَلُ الكُلَّ، وعلى القولين فيمينُهُ منعقدة، فإن كان قد عَلَّق به طلاقاً أو عِتْقاً، وقع بِوَطْئِه ذلك المُعَلَّق، وإن كان المُعَلَّق التزام قُرْبة في الذِّمَّة، فعليه ما في نذرِ اللَّجاج، إِمَّا كَفَّارة يمين، وإِمَّا الوَفَاء بما سَمَّى.
وفائدة هذين القولين : أنا إن قلنا : يكون مُؤْلياً، فبعد أَرْبَعَة أشهر يضيق الأَمْر عليه، حَتَّى يَفيء أو يُعَلِّق، وَإِنْ قلنا : لا يكون مُؤْلياً، لا يضيقُ عليه الأَمر.
قال القرطبي : فإن حلف بالنَّبِيّ أو الملائِكَة، أو الكَعبة ألا يَطَأَها أو قال : هو يَهُوديٌّ، أو نصرانيٌّ، أو زانٍ إن وطِئَها، فليس بِمُؤْلٍ، قال : وإن حلف ألا يَطَأَها، واستثنى فقال : إن شاء الله، فإنَّه يكون مُؤلياً، فإن وَطِئَهَا، فلا كَفَّارة عليه.
وقال ابن الماجشون في « المَبْسُوطِ » : ليس بِمؤلٍ، وهو الصَّحيحُ.
قوله :﴿ فَإِنْ فَآءُوا ﴾ ألفُ « فَاءَ » منقلبةٌ عن ياء؛ لقولهم : فَاءَ يَفِيءُ فَيْئَةً : رَجَعَ والفَيْءُ : الظلُّ؛ لرجوعه من بعد الزوال، وقال عَلْقَمَةُ :[ الطويل ]

١١٠٠- فَقُلْتُ لَهَا فِيئِي فَمَا تَستَفِزُّنِي ذَوَاتُ العُيُون وَالبَنَانِ المُخَضَّبِ
وفرّقوا بين الفَيْءِ والظِّل : فقالوا : الفَيء ما كان بالعَشِيِّ؛ لأنه الذي نسختهُ الشَّمسُ، والظَّلُّ ما كان بالغداة؛ لأنه لم تنسخه الشَّمس، وفي الجنة ظِلٌّ وليس فيها فَيْءٌ؛ لأنه لا شَمْسَ فيها؛ قال تعالى :﴿ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ﴾ [ الواقعة : ٣٠ ] ؛ وأنشد :[ الطويل ]
١١٠١- فَلاَ الظِّلُّ مِنْ بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطِيعُهُ وَلاَ الفَيْءُ مِنْ بَرْدِ العَشِيِّ تَذُوقُ
وقيل : فُلاَن سريعُ الفيئة، أي : سريعُ الرُّجوع عن الغَضَبِ إلى الحَالَةِ المتقدِّمة، حكاه الفَرَّاء عن العرب.
وقيل لما رَدَّه الله على المُسلمين من مال المُشْرِكين : فَيْء؛ كأنه كان لهم فرجع إِلَيهم، فقوله :« فَاءُوا » معناه : رَجَعُوا عَمَّا حَلَفُوا عليه من تَرْك الجِمَاع، فإنه غَفُورٌ رَحِيمٌ.

فصل في وجوب الكفَّارة


قال القُرطبيّ : جمهور العُلماء أَوْجَبُوا الكَفَّارة على المُؤْلي إذا فاء بجماع امرأته.
وقال الحسن : لا كَفَّارة عليه.
قال القرطبي : إِذَا كَفَّر عن يمينه، سقط عنه الإيلاءَ.
قوله تعالى :﴿ وَإِنْ عَزَمُواْ الطلاق ﴾ في نصب « الطَلاَقَ » وجهان :
أحدهما : أنه على إسقاط الخافضِ؛ لأنَّ « عَزَمَ » يتعدَّى ب « عَلَى »، قال :[ الوافر ]
١١٠٢- عَزَمْتُ عَلَى إِقَامَةِ ذِي صَبَاحٍ لأَمْرٍ مَّا يُسَوَّدُ مَنْ يَسُودُ
والثاني : أن تُضَمَّن « عَزَمَ » معنى « نَوَى » ؛ فينتصب مفعولاً به.


الصفحة التالية
Icon