قال أبو عبيدة : سمي اصحاب عيسى الحواريون للبياض وكانوا قصارين.
وقال الفرزدق :[ البسيط ]
١٤٨٧- فَقُلْتُ : إنَّ الْحَوَارِيَّاتِ مَعْطَبَةٌ... إذَا تَفَتَّلْنَ مِنْ تَحْتِ الْجَلاَبِيْبِ
يعني النساء؛ لبياضهن وصفاء لونهن - ولا سيما المترفِّهات - يقال لهن : الحواريات، ولذلك قال الزَّمَخْشَريُّ : وحواري الرَّجُلِ : صفوته وخالصته، ومنه قيل للحضريات : الحواريات؛ لخلوص ألوانهن ونظافتهن.
[ وأنشد لأبي حلزة اليشكري ] :[ الطويل ]
١٤٨٨- فَقُلْ للحَوَارِيَّاتِ : يبكين غيرَنا... ولا تبكِنا إلا الكلابُ النوابحُ
ومنه سميت الحور العين؛ لبياضهن ونظافتهن، والاشتقاق من الحور، وهو تبيض الثياب وغيرها :
وقال الضّحّاكُ : هم الغَسَّالون وهم بلغة النبط - وهواري - بالهاء مكان الحاء-.
قال ابن الأنباري : فمن قال بهذا القول قال : هذا حرف اشتركت فيه لغة العرب ولغة النبطِ وهو قول مقاتل بن سليمان إن الحواريين هم القصارون.
وقيل :« هم المجاهدون » كذا نقله ابنُ الأنباريّ.
وأنشد :[ الطويل ]
١٤٨٩- وَنَحْنُ أُنَاسٌ تَمْلأُ البِيْضُ هَامُنَا... وَنَحْنُ الحَوَارِيُّونَ يَوْمَ نُزَاحِفُ
جَمَاجِمُنَا يَوْمَ اللِّقَاءِ تُرُوسُنَا... إلَى الْمَوْتِ نَمْشِي لَيْسَ فِينَا تَجَانُفُ
قال الواحديُّ : والمختار - من هذه الأقوال عند أهل اللغة - أن هذا الاسم لزمهم للبياض ثم ذكر ما تقدم عن أبي عبيدة.
وقال الراغبُ : حوَّرت الشيء : بيَّضت ودوَّرته، ومنه الخبز الحُوَّارَى، والحواريُّون : أنصار عيسى.
وقيل : اشتقاقه من حار يَحُور - أي : رَجَع. قال تعالى :﴿ إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ﴾ [ الانشقاق : ١٤ ]. أي لن يرجع، فكأنهم الراجعون إلى الله تعالى حار يحور حَوَراً - أي : رجع - وحار يحور حَوَراً - إذا تردَّد في مكانه ومنه : حار الماء في القدر، وحار في أمره، وتحيَّر فيه، وأصله تَحَيْوَرَ، فقُلِبَت الواوُ ياءً، فوزنه تَفَيْعَل، لا تفعَّل؛ إذْ لو كان تفعّل لقيل : تحوَّر نحو تجوَّز ومنه قيل للعود الذي تُشَدُّ عليه البكرة : مِحْوَر؛ لتردُّدِهِ، ومَحَارة الأذُنِ، لظاهره المنقعر - تشبيهاً بمحارة الماء؛ لتردُّد الهواء بالصوت كتردُّد الماء في المحارة، والقوم في حوارى أي : في تَرَدُّد إلى نقصان، ومنه :« نعوذ بالله من الحور بعد الكور » وفيه تفسيران : أحدهما : نعوذ بالله من التردُّد في الأمر بعد المُضِيِّ فيه والثاني : نعوذ بالله من النقصان والتردُّد في الحال بعد الزيادةِ فيها.
ويقال : حَارَ بعدما كان. والمحاورة : المرادَّة في [ الكلام ]، وكذلك التحاورُ، والحوار، ومنه :﴿ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ ﴾ [ الكهف : ٣٤ ] و ﴿ والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمآ ﴾ [ المجادلة : ١ ] ومنه أيضاً : كلمته فما رجع إليَّ حواراً وحَوِيراً ومَحُورة وما يعيش بحَوْر - أي : بعَقْل يرجع إليه. والحور : ظهور قَلِيلِ بَيَاض في العين من السواد، وذلك نهاية الحُسْنِ في العينِ، يقال - منه - : أحورت عينه، والمذكر أحور، والمؤنث حوراء والجمع فيهما حور - نحو حُمر في جمع أحمر وحمراء-.
وقيل : سُمِّيت الحوراءُ حوراء لذلك.
وقيل : اشتقاقهم من نقاء القلب وخلوصه وصدقه، قاله أبو البقاء والضَّحَّاك، وهو راجع للمعنى الأول من خلوص البياض، فهو مجاز عن التنظيف من الآثام، وما يشوب الدين.