وإن شئت قلتَ : الأصل : تعالَيُوا، وأصل هذه الياء واو - كما تقدم - ثم استُثْقِلَت الضمة على الياء، فحُذِفت ضمتُها، فالتقى ساكنان، فحذف أوَّلُهما - وهو الياء - لالتقاء الساكنين ونزلت الفتحةُ على حالها.
وإن شئت قلت : لما كان الأصل تعلَيُوا تحرك حرفُ العِلَّةِ، وانفتح ما قبله - وهو الياءُ - فقلب ألفاً، فالتقى ساكنان، فحذف أولهما - وهو الألف - وبقيت الفتحة دالةٌ عليه.
والفرق بين هذا وبين الوجه الأول أن الألف - في الوجه الأول - حُذِفَت لأجل الأمر - وإن لم تتصل به واو ضمير، وفي هذا حُذِفَتْ لالتقائها مع واو الضمير.
وكذلك إذا أمرت الواحدة تقول لها : تعالَي، فهذه الياء، هي ياء الفاعلة من جملة الضمائر، والتصريف كما تقدم، إلا أنك تقول هنا : الكسرة على الياء بدل الضمة هناك. وأما إذا أمرت المثنى فإن الياء تثبت فتقول : يا زيدان تعالَيَا، ويا هندان تعالَيَا - أيضاً يستوي فيه المذكران والمؤنثان - وكذلك أمر جماعة الإناث تثبت فيه الياء تقول : يا نسوة تعالَيْنَ، قال تعالى :﴿ فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ ﴾ [ الأحزاب : ٢٨ ] ؛ إذْ لا مقتضي للحذف، ولا للقلب؛ وهو ظاهرٌ بما تمهد من القواعد.
وقرأ الحسن وأبو السَّمَّال وأبو واقد : تَعَالُوا - بضم اللام - ووجهوها على أن الأصل : تعالَيُوا - كما تقدم فاستُثْقِلت الضمة على الياء، فنُقِلت إلى اللام - بعد سلب حركتها - فبقي تعالُوا - بضم اللام.
قال الزمخشريُّ في سورة النساء : وعلى هذه القراءة قال الحَمدَانِيّ :[ الطويل ]

١٤٩١-......................... تَعَالِي أُقَاسِمْكِ الْهُمُومَ تَعَالِي
بكسر اللام - وقد غاب بعضُ الناس عليه في استشهاده بشعر هذا المولَّد المتأخِّر وليس بعيْبٍ؛ فإنه ذكره استئناساً.
وهذا كما تقدم في أول البقرة - عندما أنشد لحبيب :[ الطويل ]
١٤٩٢- هُمَا أظْلَمَا حَالَيَّ ثُمَّتَ أجْلَيَا ظَلاَمَيْهِمَا عَنْ وَجْهِ أمْرَدَ أشْيَبِ
واعتذر هو عن ذلك فكيف يعاب عليه بشيء عَرَفَهُ، ونَبَّه عليه، واعتذر عنه؟
والذي يظهر في توجيه هذه القراءة أنهم تناسَوُا الحرفَ المحذوف، حتى كأنهم توهَّمُوا أن الكلمةَ بنيت على ذلك، وأنّ اللام هي الآخِر في الحقيقة، فلذلك عُومِلَتْ معاملةَ الآخِر حقيقةً، فضُمَّتْ قبل واو الضمير وكُسِرَت قبل يائه، ويدل على ما قلناه أنهم قالوا :- في لم أبَلْه- : إن الأصل : أبالي؛ لأنه مضارع « بالَى » فلما دَخَلَ الجازمُ حذفوا له حرفَ العلةِ - على القاعدة - ثم تناسَوْا ذلك الحرفَ، فسكنوا للجازم اللام؛ لأنها كالأخير حقيقةً، فلما سكنت اللام التقى ساكنان - هي والألف قبلها - فحذفت الألف؛ لالتقاء الساكنين.


الصفحة التالية
Icon