وأبهلت فلاناً : خليته وإرادته؛ تشبيهاً بالبعير الباهل، والبهل والابتهال في الدعاء : الاسترسال فيه والتضرع، نحو ﴿ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل ﴾ ومن فسر الابتهال باللعن فلأجل أن الاسترسال في هذا المكان لأجل اللعن.
قال الشاعر :( وهو لبيد ) :[ الرمل ]
١٤٩٣- مِنْ قُرُومٍ سَادَةٍ في قَوْمِهِمْ | نَظَرَ الدَّهْرُ إلَيْهِمْ فَابْتَهَلْ |
قال أبو بكر بن دُرَيْد في مقصورته :[ الرجز ]
١٤٩٤- لَمْ أرَ كَالْمُزْنِ سَوَاماً بُهَّلا تَحْسَبُهَا مَرْعِيَّةً وَهْيَ سُدَى
بهلاً جمع باهلة - أي : مهملة، وفاعلة تجمع على فُعَّل، نحو ضُرَّب. والسُّدَى : المهمل - أيضاً - وأتى ب « ثُمَّ » هنا، تنبيهاً على خطئهم في مباهلته، كأنه يقول لهم : لا تعجلوا، وتَأنَّوْا؛ لعلَّه أن يظهر لكم الحق، فلذلك أتى بحرف التراخي.
قوله :﴿ فَنَجْعَل ﴾ هي المتعدية لاثنين - بمعنى نصير - و ﴿ عَلَى الكاذبين ﴾ هو المفعول الثاني.
فصل
روي أنه ﷺ لما أورد الدلالة على نصارى نجران، ثم إنهم أصرُّوا على جهلهم، فقال ﷺ :« إنَّ اللهَ يَأمُرُنِي - إن لَمْ تَقْبَلُوْا الْحُجَّةَ - أنْ أبَاهِلَكُمْ »، فقالوا : يا أبا القاسم، بل نرجع، فننظر في أمرنا، ثم نأتيك غداً، فخلا بعضهم ببعض، فقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم : يا عبد المسيح، ما ترى؟ فقال : والله لقد عرفتم - يا معشر النصارى - أن محمداً نبي مرسل، ولقد جاءكم بالكلام الحق في أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيًّا - قط - فعاش كبيرُهم ولا صغيرُهم، ولأن فعلتم ذلك لنهلكن، ولكان الاستئصال، فإن أبيتم إلا الإصرار على دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادِعوا الرجل، وانصرِفوا إلى بلادكم، فأتوا رسول الله ﷺ وكان قد خرج وعليه مرط من شعر أسود، وكان قد احتضن الحُسَيْن، وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه وعليّ خلفهما، وهو يقول لهم : إذَا دَعَوْتُ فأمِّنُوا، فقال أسقفُ نجران : يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يُزيل جَبَلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا، فتهلكوا ولا يبقى نصراني على وجه الأرض إلى يوم القيامة فقالوا : يا أبا القاسم، قد رأينا أن لا نباهلَك، وأن نقرك على دينك، ونثبت على ديننا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ « فَإنْ أبَيْتُمُ الْمُبَاهَلَةَ فَأسْلِمُوا يَكُنْ لَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِيْنَ وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْهمْ فأبَوْا، فقال : فَإنِّي أنَابِذُكُمْ »