الثاني : أن يكون الخبر مُضْمَراً، تقديره : وما من إله لنا إلا الله، و ﴿ إِلاَّ الله ﴾ بدل من موضع ﴿ مِنْ إله ﴾، لأن موضعه رفع بالابتداء، ولا يجوز في مثله الإبدالُ من اللفظ، لِئَلاّ يلزم زيادة « مِنْ » في الواجب، وذلك لا يجوز عند الجمهور.
ويجوز في مثل هذا التركيب نصب ما بعد « إِلاَّ » على الاستثناء، ولكن لم يُقرأ به، إلا أنَّه جائز لُغَةً أنْ يُقَالَ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ - برفع لفظ الجلالة بدلاً من الموضع، ونصبها على الاستثناء من الضمير المستكن في الخبر المقدر؛ إذ التقدير : لا إله استقر لنا إلا الله.
وقال بَعْضُهُم : دخلت « مِنْ » لإفادة تأكيد النفي؛ لأنك لو قلتَ : ما عندي من الناس أحد، أفاد أن عندك بعض الناس. فإذا قلتَ : ما عندي من الناس من أحدٍ، أفاد أن ليس عندك بعضهم وإذا لم يكن عندك بعضهم فبأن لا يكون عندك كلهم أوْلَى، فثبت أن قوله :﴿ وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله ﴾ مبالغة في أنه لا إله إلا الله الواحدُ الحقُّ.
قوله :﴿ وَإِنَّ الله لَهُوَ العزيز الحكيم ﴾ كقوله :﴿ إِنَّ هذا لَهُوَ القصص الحق ﴾ وفيه إشارةٌ إلى الجواب عن شبهات النَّصَارَى، لأن اعتمادَهم على أمرين :
أحدهما : أنه قدر على إحياء الموتَى وإبراء الأكْمَهِ والأبْرَصِ، فكأنه - تعالى - قال : هذا القدر من القدرة لا يكفي في الإلهية، بل لا بُدَّ وأن يكون عزيزاً، غالباً، لا يدفع، ولا يمنع، وأنتم اعترفتم بأن عيسى - عليه السلام - ما كان كذلك، بل قلتم : إنّ اليهودَ قتلوه.
والثاني : أنهم قالوا : إنه كان يُخبر عن الغيوب وغيرها، فكأنه - تعالى - قال : هذا القدرُ من العلم لا يكفي في الإلهية، بل لا بد وأن يكون حَكِيماً، أي : عالماً بجميع المعلومات، وبجميع عواقب الأمورِ.
فَذِكرُ العزيز الحكيم - هاهنا - إشارةٌ إلى الجواب عن هاتَيْنِ الشبهتين، ونظير هذه الآية ما ذكر تعالى في أول السورة من قوله :﴿ هُوَ الذي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرحام كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إله إِلاَّ هُوَ العزيز الحكيم ﴾ [ آل عمران : ٦ ].
وقوله :﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾ يجوز أن يكون مضارعاً - حُذِفَتْ منه إحدى التاءَين، تخفيفاً - على حَدِّ قراءة :﴿ تَنَزَّلُ الملائكة ﴾ [ القدر : ٤ ] و ﴿ تَذَكَّرُون ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ] - ويؤيد هذا نسق الكلام، ونظمُه في خطاب من تقدم في قوله :﴿ تَعَالَوْا ﴾ ثم جرى معهم في الخطاب إلى أن قال لهم : فَإن تولّوا.
قال ابو البقاء :« ويجوز أن يكون مستقبلاً، تقديره : تتولوا - ذكره النَّحَّاسُ - وهو ضعيفٌ؛ لأن حَرْفَ الْمُضَارَعَِ لا يُحْذَف ».
قال شهاب الدين :« وهذا ليس بشيء؛ لأن حرف المضارعة يُحْذَف - في هذا النحو - من غير خِلافٍ. وسيأتي من ذلك طائفة كثيرة ».
وقد أجمعوا على الحذف في قوله :